تَوَلَّاهُ الْوَزِيرُ جَازَ أَنْ يَعْزِلَ مَنْ اخْتَصَّ بِتَقْلِيدِهِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْزِلَ مَنْ قَلَّدَهُ الإمام. فهذا حكم وزارة التفويض.
وَأَمَّا وَزَارَةُ التَّنْفِيذِ فَحُكْمُهَا أَضْعَفُ، وَشُرُوطُهَا أَقَلُّ، لِأَنَّ النَّظَرَ فِيهَا مَقْصُورٌ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وتدبيره، وهذا الوزير وسيط بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّعَايَا وَالْوُلَاةِ، يُؤَدِّي عَنْهُ مَا أمر، وينفذ مَا ذَكَرَ، وَيُمْضِي مَا حَكَمَ، وَيُخْبِرُ بِتَقْلِيدِ الولاة، وتجهيز الجيش والحماة، ويعرض عليه ما ورد منهم وتجدد من حدث ملمّ ليعمل فيه بما يُؤْمَرُ بِهِ، فَهُوَ مُعِينٌ فِي تَنْفِيذِ الْأُمُورِ وليس بوال عليها ولا متقلد لَهَا. فَإِنْ شُورِكَ فِي الرَّأْيِ كَانَ بِاسْمِ الوزارة أخص، وإن لم يشترك فيه كان باسم الوساطة والسفارة أشبه. ولا تَفْتَقِرُ هَذِهِ الْوَزَارَةُ إلَى تَقْلِيدٍ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى فيها مجرد الإذن ومطلق الاسم. ولا يعتبر فِي الْمُؤَهَّلِ لَهَا الْحُرِّيَّةُ وَلَا الْعِلْمُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِوِلَايَةٍ وَلَا تَقْلِيدٍ فَتُعْتَبَرُ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْعِلْمُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَقْصُورُ النظر علىأمرين: أن يؤدي إلى الخليفة وأن يُؤَدِّيَ عَنْهُ، فَيُرَاعِي فِيهِ سَبْعَةَ أَوْصَافٍ: أَحَدُهَا: الأمانة حتى لا يخون فيما ائتمن فيه. الثاني: صدق اللهجة حتى يوثف بِخَبَرِهِ فِيمَا يُؤَدِّيهِ وَيُعْمَلَ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا ينهيه. الثالث: قلة الطمع حتى لا يرتشى فيمايل، ولا ينخدع فيتساهل. الرابع: أَنْ يَسْلَمَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ مِنْ عداورة وشحناء، لأن الْعَدَاوَةَ تَصُدُّ عَنْ التَّنَاصُفِ وَتَمْنَعُ مِنْ التَّعَاطُفِ. الخامس: أَنْ يَكُونَ ذُكُورًا لِمَا يُؤَدِّيهِ إلَى الْخَلِيفَةِ وعنه لأنه شاهد له وعليه. السادس: الذكاء والفطنة، حتى لا تلدس عَلَيْهِ الْأُمُورُ فَتَشْتَبِهَ، وَلَا تُمَوَّهَ عَلَيْهِ فَتَلْتَبِسَ فلا يصح مع اشتباهها عزم، ولايتم مع التباسها حزم. السابع: أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، فَيُخْرِجُهُ الهوى عن الحق إلى الباطل، ويتدلس عليه المحق المبطل، فإن الهوى خادرع الألباب، وضارف عن الصواب، وقد روى بعضهم عن النَّبِيُّ ﷺ " حُبُّكَ الشَّيْءَ يعمي ويصم". فإن كان هذ الْوَزِيرُ مُشَارِكًا فِي الرَّأْيِ احْتَاجَ إلَى وَصْفٍ ثَامِنٍ وَهُوَ الْحِنْكَةُ وَالتَّجْرِبَةُ الَّتِي تُؤَدِّيهِ إلَى صِحَّةِ الرَّأْيِ وَصَوَابِ التَّدْبِيرِ. فَإِنَّ فِي التَّجَارِبِ خبرة لعواقب الْأُمُورِ. وَإِنْ لَمْ يُشَارَكْ فِي الرَّأْيِ لَمْ يحتج إلى هذا الوصف.
ولا يجوز أن يقوم بِذَلِكَ امْرَأَةٌ، وَإِنْ كَانَ خَبَرُهَا مَقْبُولًا، لِمَا تضمنه من معاني الولايات المصروفة عن النساء. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ " مَا أَفْلَحَ قَوْمٌ أَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إلَى امْرَأَةٍ".
1 / 31