299

Aḥkām al-Qurʾān li-Ibn al-ʿArabī

أحكام القرآن لابن العربي

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الثالثة

Publication Year

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Publisher Location

بيروت - لبنان

[مَسْأَلَةٌ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ:
قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَائِدَةٌ؛ وَهِيَ الرَّدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ إنَّمَا يُعَدُّ فِي عَدَدٍ وِتْرٍ؛ لِيَكُونَ الْوَسَطُ شَفْعًا يُحِيطُ بِهِ مِنْ جَانِبَيْهِ؛ وَإِذَا عُدَّتْ الصَّلَوَاتُ الْوَاجِبَاتُ سِتًّا لَمْ تَكُنْ الْوَاحِدَةُ وَسَطًا؛ لِأَنَّهَا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ جِهَةٍ، وَبَيْنَ ثَلَاثِ صَلَوَاتٍ مِنْ أُخْرَى، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَسَطَ مُعْتَبَرٌ بِالْعَدَدِ أَوْ بِالْوَقْتِ؛ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ لَا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِهِ دَلِيلٌ.
[مَسْأَلَةٌ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ]
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٨] اعْلَمُوا وَفَّقَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْقُنُوتَ يَرِدُ عَلَى مَعَانٍ، أُمَّهَاتُهَا أَرْبَعٌ: الْأَوَّلُ: الطَّاعَةُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
الثَّانِي: الْقِيَامُ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَقَرَأَ: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا﴾ [الزمر: ٩] وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ».
الثَّالِثُ: إنَّهُ السُّكُوتُ قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَفِي الصَّحِيحِ قَالَ زَيْدٌ: " كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٨] فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ ".
الرَّابِعُ: أَنَّ الْقُنُوتَ الْخُشُوعُ.
وَهَذِهِ الْمَعَانِي كُلُّهَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهَا مُرَادًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافُرَ فِيهِ إلَّا الْقِيَامُ، فَإِنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْآيَةِ: وَقُومُوا لِلَّهِ قَائِمِينَ، إلَّا عَلَى تَكَلُّفٍ.
وَقَدْ صَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ الصُّبْحَ وَقَنَتَ فِيهَا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا قَالَ: هَذِهِ هِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى، وَقَرَأَ الْآيَةَ إلَى قَوْله تَعَالَى: ﴿قَانِتِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٨]

1 / 301