Aḥkām al-Qurʾān li-Ibn al-ʿArabī
أحكام القرآن لابن العربي
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الثالثة
Publication Year
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
Publisher Location
بيروت - لبنان
أَمَّا جَهْلُ الْمَعْنَى فَلَيْسَتْ الرَّجْعَةُ عَقِيبَ الطَّلْقَتَيْنِ، وَإِنَّمَا هِيَ عَقِيبُ الْوَاحِدَةِ كَمَا هِيَ عَقِيبُ الثَّانِيَةُ، وَلَوْ لَزِمَتْ حُكْمَ التَّعْقِيبِ فِي الْآيَةِ لَاخْتَصَّتْ بِالطَّلْقَتَيْنِ.
وَأَمَّا الْإِعْرَابُ فَلَيْسَتْ الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ هُنَا، وَلَكِنْ ذَكَرَ أَهْلُ الصِّنَاعَةِ فِيهَا مَعَانِيَ، أُمَّهَاتُهَا ثَلَاثَةٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ، وَذَلِكَ فِي الْعَطْفِ، تَقُولُ: خَرَجَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو.
الثَّانِي: السَّبَبُ، وَذَلِكَ فِي الْجَزَاءِ، تَقُولُ: إنْ تَفْعَلْ خَيْرًا فَاَللَّهُ يُجْزِيك؛ فَهُوَ بَعْدَهُ؛ لَكِنْ لَيْسَ مُعَقِّبًا عَلَيْهِ.
الثَّالِثَةُ: زَائِدَةٌ، كَقَوْلِك: زَيْدٌ فَمُنْطَلِقٌ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَقَائِلَةٍ خَوْلَانَ فَانْكِحْ فَتَاتَهُمْ ... وَأُكْرُومَةُ الْحَيَّيْنِ خُلْوٌ كَمَا هِيَا
وَهَذَا لَمْ يُصَحِّحْهُ سِيبَوَيْهِ.
وَاَلَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ مِنْ أَنَّ الْفَاءَ هَاهُنَا لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي مَعْنَى الْجَوَابِ لِلْجُمْلَةِ، كَأَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ خَوْلَانَ فَانْكِحْ فَتَاتهمْ. كَمَا تَقُولُ: هَذَا زَيْدٌ فَقُمْ إلَيْهِ، وَيَرْجِعُ عِنْدِي إلَى مَعْنَى التَّسَبُّبِ، فَيَكُونُ مَعْنَيَيْنِ.
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إذَا وَطِئَ بِنِيَّةِ الرَّجْعَةِ جَازَ، وَكَانَ مِنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: قَدْ رَاجَعْتُك كَانَ مَعْرُوفًا جَائِزًا، فَالْوَطْءُ أَجْوَزُ.
فَإِنْ قِيلَ: هِيَ مُحَرَّمَةٌ بِالطَّلَاقِ، فَكَيْفَ يُبَاحُ لَهُ الْوَطْءُ؟ قُلْنَا: الْإِبَاحَةُ تَحْصُلُ بِنِيَّةِ الرَّجْعَةِ، كَمَا تَحْصُلُ بِقَوْلِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [الطلاق: ٢]؛ وَالْإِشْهَادُ يُتَصَوَّرُ عَلَى الْقَوْلِ وَلَا يُتَصَوَّرُ عَلَى الْوَطْءِ. قُلْنَا: بِتَصَوُّرِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْوَطْءِ.
1 / 262