Aḥkām al-Qurʾān li-Ibn al-ʿArabī
أحكام القرآن لابن العربي
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الثالثة
Publication Year
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
Publisher Location
بيروت - لبنان
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ﴾ [البقرة: ٢٢٧] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ لَا يُوقِعُ فُرْقَةً؛ إذْ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ قَصْدِهِ وَاعْتِبَارِ عَزْمِهِ.
وَقَالَ الْمُخَالِفُ، وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: إنَّ عَزِيمَةَ الطَّلَاقِ تُعْلَمُ مِنْهُ بِتَرْكِ الْفَيْئَةِ مَدَى التَّرَبُّصِ.
أَجَابَ عُلَمَاؤُنَا بِأَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْمَاضِي مُحَالٌ، وَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى الْوَاقِعُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ عَزِيمَةٌ مِنَّا.
وَتَحْقِيقُ الْأَمْرُ أَنَّ تَقْرِيرَ الْآيَةَ عِنْدَنَا: " لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ فَاءُوا بَعْدَ انْقِضَائِهَا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ".
وَتَقْرِيرُهَا عِنْدَهُمْ: " لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ فَاءُوا فِيهَا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ بِتَرْكِ الْفَيْئَةِ فِيهَا فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ".
وَهَذَا احْتِمَالٌ مُتَسَاوٍ، وَلِأَجَلِ تَسَاوِيهِ تَوَقَّفَتْ الصَّحَابَةُ فِيهِ، فَوَجَبَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ اعْتِبَارُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ بَحْرٌ مُتَلَاطِمُ الْأَمْوَاجِ، وَلَقَدْ كُنْت أَقَمْت بِالْمَدْرَسَةِ التَّاجِيَّةِ مُدَّةً لِكَشْفِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْمُنَاظَرَةِ، ثُمَّ تَرَدَّدْت فِي الْمَدْرَسَةِ النِّظَامِيَّةِ آخِرًا لِأَجْلِهَا.
فَاَلَّذِي انْتَهَى إلَيْهِ النَّظَرُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّ أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالُوا: كَانَ الْإِيلَاءُ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَزَادَ فِيهِ الشَّرْعُ الْمُدَّةَ وَالْمُهْلَةَ، فَأَقَرَّهُ طَلَاقًا بَعْدَ انْقِضَائِهَا.
قُلْنَا: هَذِهِ دَعْوَى.
قَالُوا: وَتَغْيِيرُهَا دَعْوَى.
قُلْنَا: أَمَّا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا فَرُبَّمَا قُلْنَا إنَّهُ شَرْعٌ لَنَا مَعَكُمْ أَوْ وَحْدَنَا وَأَمَّا أَحْكَامُ الْجَاهِلِيَّةِ فَلَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةِ، وَهَذَا مَوْقِفٌ مُشْكِلٌ جِدًّا، وَعَلَيْهِ اعْتِرَاضٌ عَظِيمٌ بَيَانُهُ فِي كُتُبِ الْمَسَائِلِ، الِاعْتِرَاضُ حَدِيثُ عَائِشَةَ: «كَانَ النِّكَاحُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ، فَأَقَرَّ الْإِسْلَامُ وَاحِدًا».
وَأَمَّا عُلَمَاؤُنَا فَرَأَوْا أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ ضَرَرٌ حَادِثٌ بِالزَّوْجَةِ؛ فَضُرِبَتْ لَهُ فِي
1 / 247