232

Aḥkām al-Qurʾān li-Ibn al-ʿArabī

أحكام القرآن لابن العربي

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الثالثة

Publication Year

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Publisher Location

بيروت - لبنان

أَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ فَقَالَ: [الْمَحِيضُ] هُوَ الْحَيْضُ بِعَيْنِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقَالُ: حَاضَتْ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ حَيْضًا وَمَحِيضًا، فَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ.
وَأَجَابَ عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ بِأَنْ قَالَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: " الْمَحِيضِ " نَفْسَ الْحَيْضِ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: ﴿قُلْ هُوَ أَذًى﴾ [البقرة: ٢٢٢] فَإِنْ قِيلَ: بِهَذَا نَحْتَجُّ فَإِنَّهُ إذَا زَالَ الدَّمُ زَالَ الْأَذَى؛ فَجَازَ الْوَطْءُ؛ فَإِنَّ الْحُكْمَ إذَا ثَبَتَ لِعِلَّةٍ زَالَ بِزَوَالِهَا.
قُلْنَا: هَذَا يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ؛ فَإِنْ زَالَتْ الْعِلَّةُ وَلَمْ يَزُلْ الْحُكْمُ؛ وَذَلِكَ لِفِقْهٍ؛ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ، وَهُوَ وُجُودُ الْأَذَى، ثُمَّ لَمْ يَرْبِطْ زَوَالَ الْحُكْمِ بِزَوَالِ الْعِلَّةِ حَتَّى ضَمَّ إلَيْهِ شَرْطًا آخَرَ، وَهُوَ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ؛ وَذَلِكَ فِي الشَّرْعِ كَثِيرٌ.
وَأَمَّا طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ فَالْكَلَامُ مَعَهُمَا سَهْلٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا، وَهُمَا تَفْسِيرُ الطُّهْرِ بِالِانْقِطَاعِ أَوْ الِاغْتِسَالِ؛ وَلِذَلِكَ حَمَلْنَا قَوْله تَعَالَى: ﴿فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: ٦] عَلَى الِاغْتِسَالِ فِي الْجُمْلَةِ؛ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ أَوْ الْمَسْأَلَتَيْنِ؟ وَيَدُلُّ عَلَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنْ نَقُولَ: الْحَيْضُ مَعْنًى يَمْنَعُ الصَّوْمَ؛ فَكَانَ الطُّهْرُ الْوَارِدُ فِيهِ مَحْمُولًا عَلَى جَمِيعِ الْجَسَدِ أَصْلُهُ الْجَنَابَةُ.
وَأَمَّا دَاوُد فَإِنَّا لَمْ نُرَاعِ خِلَافَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَيُضَلِّلُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ الْقِيَاسَ كَفَّرْنَاهُ؛ فَإِنْ رَاعِينَا إشْكَالَ سُؤَالِهِ، قُلْنَا: هَذَا الْكَلَامُ هُوَ عَكْسُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] وَهَذَا ضَمِيرُ النِّسَاءِ؛ فَكَيْف يَصِحُّ أَنْ يَسْمَعَ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فَيَقُولُ: إنَّ وَطْأَهَا جَائِزٌ، مَعَ أَنَّ الطَّهَارَةَ عَلَيْهَا وَاجِبَةٌ؛ فَيُبِيحُ الْوَطْءَ قَبْلَ وُجُودِ غَايَتِهِ الَّتِي عَلَّقَ جَوَازَ الْوَطْءِ عَلَيْهَا.
وَاعْتَبَرَ ذَلِكَ بِعِطْفٍ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلا تَقْرَبُوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٢٢]؛ عَلَى قَوْله تَعَالَى

1 / 234