169

Ahkam Quran

أحكام القرآن لابن العربي

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الثالثة

Publication Year

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Publisher Location

بيروت - لبنان

وَقَدْ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ سَنَةَ سِتٍّ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صَدَّ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ مَكَّةَ، وَمَا كَانُوا حَبَسُوهُ وَلَكِنْ حَبَسُوا الْبَيْتَ وَمَنَعُوهُ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْقِصَّةَ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ فَقَالَ: ﴿وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ [الفتح: ٢٥]. وَقَدْ تَأْتِي أَفْعَالٌ يَكُونُ فِيهَا فَعَلَ وَأَفْعَلُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ، وَمَعْنَاهَا: فَإِنْ مُنِعْتُمْ. وَيُقَالُ: مُنِعَ الرَّجُلُ عَنْ كَذَا؟ فَإِنَّ الْمَنْعَ مُضَافٌ إلَيْهِ أَوْ إلَى الْمَمْنُوعِ عَنْهُ. وَحَقِيقَةُ الْمَنْعِ عِنْدَنَا الْعَجْزُ الَّذِي يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْفِعْلُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَاَلَّذِي يَصِحُّ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْمَمْنُوعِ بِعُذْرٍ، وَأَنَّ لَفْظَهَا فِي كُلِّ مَمْنُوعٍ، وَمَعْنَاهَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ. [مَسْأَلَةٌ تَحْقِيقِ جَوَابِ الشَّرْطِ مِنْ قَوْله تَعَالَى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ] الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: فِي تَحْقِيقِ جَوَابِ الشَّرْطِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦] وَظَاهِرُهُ قَوْلُهُ: ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] وَبِهَذَا قَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ؛ وَإِنَّمَا الْهَدْيُ عَلَى ذِي التَّفْرِيطِ؛ وَهَذَا ضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦]؛ فَهُوَ تَرْكٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَتَعَلُّقٌ بِالْمَعْنَى. الثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَهْدَى عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَصْحَابِهِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ. وَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَمَلَ الْهَدْيَ تَطَوُّعًا، وَكَذَلِكَ كَانَ؛ فَأَمَّا ظَاهِرُ الْقُرْآنِ فَلَا كَلَامَ فِيهِ. وَأَمَّا الْمَعْنَى فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجْعَلَ الْبَارِي تَعَالَى الْهَدْيَ وَاجِبًا مَعَ التَّفْرِيطِ وَمَعَ عَدَمِهِ عِبَادَةً مِنْهُ لِسَبَبٍ وَلِغَيْرِ سَبَبٍ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا. وَمِنْ عُلَمَائِنَا مَنْ قَالَ، وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْهَدْيُ مَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِالْعُمْرَةِ وَيُهْدِي.

1 / 171