Aḥkām al-Qurʾān
أحكام القرآن
Investigator
محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف
Publisher
دار إحياء التراث العربي
Publisher Location
بيروت
Genres
Tafsīr
مِنْهَا بِأَنْ يَقُولَ إذَا كُنْتُمْ عَالِمِينَ بِجِهَةِ الْقِبْلَةِ مُمَكَّنِينَ مِنْ التَّوَجُّهِ إلَيْهَا فَذَلِكَ وَجْهُ اللَّهِ فَصَلُّوا إلَيْهَا وَإِذَا كُنْتُمْ خَائِفِينَ أَوْ فِي سَفَرٍ فَالْوَجْهُ الَّذِي يُمْكِنُكُمْ التَّوَجُّهُ إلَيْهِ فَهُوَ وَجْهُ اللَّهِ وَإِذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْكُمْ الْجِهَاتُ فَصَلَّيْتُمْ إلَى أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ فَهِيَ وَجْهُ اللَّهِ وَإِذَا لَمْ تَتَنَافَ إرَادَةُ جَمِيعِ ذَلِكَ وَجَبَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا جَمِيعَ هَذِهِ الْمَعَانِي عَلَى الْوَجْهِ الذي ذكرنا لا سيما وقد نصر حَدِيثُ جَابِرٍ وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْمُجْتَهِدِ إذَا أَخْطَأَ وَأَخْبَرَ فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَدْبِرَ لِلْقِبْلَةِ وَالْمُتَيَاسِرَ وَالْمُتَيَامِنَ عَنْهَا سَوَاءٌ لِأَنَّ فِيهِ بَعْضَهُمْ صَلَّى إلَى نَاحِيَةِ الشَّمَالِ وَالْآخِرَ إلَى نَاحِيَةِ الْجَنُوبِ وَهَاتَانِ جِهَتَانِ مُتَضَادَّتَانِ وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِهَا أَيْضًا
حَدِيثٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُثْمَانَ ابن مُحَمَّدٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ
وَهَذَا يَقْتَضِي إثْبَاتَ جَمِيعِ الْجِهَاتِ قِبْلَةً إذْ كَانَ قَوْلُهُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ كَقَوْلِهِ جَمِيعُ الْآفَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ رَبُّ الْمَشْرِقِ والمغرب أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ جَمِيعَ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَعْقُولِ خِطَابِ النَّاسِ مَتَى أُرِيدَ الْإِخْبَارُ عَنْ جَمِيعِ الدُّنْيَا ذَكَرَ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ فَيَشْمَلُ اللَّفْظُ جَمِيعَهَا وَأَيْضًا مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ السَّلَفِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا لِظُهُورِهِ وَاسْتِفَاضَتِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ نُظَرَائِهِمْ عَلَيْهِمْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ مَنْ غَابَ عَنْ مَكَّةَ فَإِنَّمَا صَلَاتُهُ إلَى الْكَعْبَةِ لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ اجْتِهَادٍ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُوقِنُ بِالْجِهَةِ الَّتِي يُصَلِّي إلَيْهَا فِي مُحَاذَاةِ الْكَعْبَةِ غَيْرَ مُنْحَرِفٍ عَنْهَا وَصَلَاةُ الْجَمِيعِ جَائِزَةٌ إذْ لَمْ يُكَلَّفْ غَيْرَهَا فَكَذَلِكَ الْمُجْتَهِدُ فِي السَّفَرِ قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ إذْ لَمْ يُكَلَّفْ غيرها ومن أوجب الإعادة فإنما يلزم فَرْضًا آخَرَ وَغَيْرُ جَائِزٍ إلْزَامَهُ فَرْضًا بِغَيْرِ دَلَالَةٍ فَإِنْ أَلْزَمُونَا عَلَيْهِ بِالثَّوْبِ يُصَلَّى فِيهِ ثُمَّ تُعْلَمُ نَجَاسَتُهُ أَوْ الْمَاءِ يُتَطَهَّرُ بِهِ ثُمَّ يُعْلَمُ أَنَّهُ نَجِسٌ قِيلَ لَهُمْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ وَإِنَّمَا أَلْزَمْنَاهُ بَعْدَ الْعِلْمِ فَرْضًا آخَرَ بِدَلَالَةِ قَامَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ تَقُمْ دَلَالَةٌ عَلَى إلْزَامِ الْمُجْتَهِدِ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَرْضًا آخَرَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجُوزُ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَهِيَ صَلَاةُ النَّفْلِ على الراحلة ومعلوم أنه لا ضرر بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا فَلَمَّا جَازَتْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِذَا صَلَّى الْفَرْضَ إلَى غَيْرِ جِهَتِهَا عَلَى مَا كُلِّفَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّبَيُّنِ غَيْرُهَا وَلَمَّا لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَمْ تَجُزْ الطَّهَارَةُ بِمَاءِ نَجِسٍ بِحَالٍ لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ بِمَنْزِلَةِ صَلَاةِ الْمُتَيَمِّمِ إذَا عَدِمَ الْمَاءَ فَلَا يَلْزَمُهُ
1 / 78