75

Aḥkām al-Qurʾān

أحكام القرآن

Investigator

محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف

Publisher

دار إحياء التراث العربي

Publisher Location

بيروت

Genres

Tafsīr
تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ]
أَيْ حَيْثُ كُنْتُمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَفِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ أَنَّ سَبَب نُزُول الْآيَةِ كَانَ صَلَاةُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ صَلَّوْا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ اجْتِهَادًا
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ نَحْوَ الْمَدِينَةِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ وَفِيهِ أُنْزِلَتْ [فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ]
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ [فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ] قَالَ هِيَ الْقِبْلَةُ الْأُولَى ثُمَّ نَسَخَتْهَا الصَّلَاةُ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقِيلَ فِيهِ إنَّ الْيَهُودَ أنكروا تحويل القبلة إلى الكعبة بعد ما كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ وَمِنْ الناس مَنْ يَقُولَ إنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ مُخَيَّرًا فِي أَنْ يُصَلِّيَ إلَى حَيْثُ شَاءَ وَإِنَّمَا كَانَ تَوَجَّهَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِيجَابِ حَتَّى أُمِرَ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ وَكَانَ قَوْلُهُ [فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ] فِي وَقْتِ التَّخْيِيرِ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ صَلَّى فِي سَفَرٍ مُجْتَهِدًا إلَى جِهَةٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا جَمِيعًا وَالثَّوْرِيُّ إنْ وَجَدَ مَنْ يَسْأَلُهُ فعرفه جِهَةَ الْقِبْلَةِ فَلَمْ يَفْعَلْ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُعَرِّفُهُ جِهَتَهَا فَصَلَّاهَا بِاجْتِهَادِهِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ صَلَّاهَا مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ أَوْ مُشَرِّقًا أَوْ مَغْرِبًا عَنْهَا وَرُوِيَ نَحْوُ قَوْلِنَا عَنْ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَإِبْرَاهِيمَ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَقَالَ الْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ وَابْنُ أَبِي سَلَمَةَ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ فَإِذَا فَاتَ الْوَقْتُ لَمْ يُعِدْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ وَرَوَى أَبُو مُصْعَبٍ عَنْهُ إنَّمَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ إذَا صَلَّاهَا مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ أَوْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ وَإِنْ تَيَامَنَ قَلِيلًا أَوْ تَيَاسَرَ قَلِيلًا فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَنْ اجْتَهَدَ فَصَلَّى إلَى الْمَشْرِقِ ثُمَّ رَأَى الْقِبْلَةَ فِي الْمَغْرِبِ اسْتَأْنَفَ فَإِنْ كَانَتْ شَرْقًا ثُمَّ رَأَى أَنَّهُ مُنْحَرِفٌ فَتِلْكَ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرِفَ وَيُعْتَدُّ بِمَا مَضَى قَالَ أَبُو بَكْرٍ ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلّ عَلَى جَوَازِهَا إلَى أَيِّ جِهَةٍ صَلَّاهَا وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ [فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ] مَعْنَاهُ فَثَمَّ رِضْوَانُ اللَّهِ وَهُوَ الْوَجْهَ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِالتَّوَجُّهِ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى [إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ] يَعْنِي لِرِضْوَانِهِ وَلِمَا أَرَادَهُ مِنَّا وَقَوْلُهُ [كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ] يَعْنِي مَا كَانَ لِرِضَاهُ وَإِرَادَتِهِ وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَجَابِرٍ اللَّذَيْنِ قَدَّمْنَا أَنَّ الْآيَةَ فِي هَذَا أُنْزِلَتْ فَإِنْ قِيلَ رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَرُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي بَيَانِ الْقِبْلَةِ قِيلَ لَهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَّفِقَ هَذِهِ الأحوال كلها في وقت واحد ويسئل النبي ﷺ عَنْهَا فَيُنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَة وَيُرِيدُ بِهَا بَيَانَ حُكْمِ جَمِيعِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَصَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ

1 / 77