Aḥkām al-Qurʾān
أحكام القرآن
Editor
محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف
Publisher
دار إحياء التراث العربي
Publisher Location
بيروت
Genres
Tafsīr
أَرَاقُوهَا وَكَسَرُوا الْأَوَانِيَ وَلَا تَخْلُو هَذِهِ التَّسْمِيَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ وَاقِعَةً عَلَى هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ أَوْ الشَّرْعِ وَأَيُّهُمَا كَانَ فَحُجَّتُهُ ثَابِتَةٌ وَالتَّسْمِيَةُ صَحِيحَةٌ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا أَسْكَرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ كَثِيرُهُ فَهُوَ خَمْرٌ وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِتَحْرِيمِ اللَّهِ إيَّاهَا مِنْ طَرِيقِ اللَّفْظِ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ أَنَّ الْأَسْمَاءَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ سُمِّيَ بِهِ الشَّيْءُ حَقِيقَةً لِنَفْسِهِ وَعِبَارَةً عَنْ مَعْنَاهُ وَالضَّرْبُ الْآخَرُ مَا سُمِّيَ بِهِ الشَّيْءُ مَجَازًا فَأَمَّا الضَّرْبُ الأول فواجب استعماله حيث ما وُجِدَ وَأَمَّا الضَّرْبُ الْآخَرُ فَإِنَّمَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ قِيَامِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ نَظِيرُ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ قوله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا فَأَطْلَقَ لَفْظَ الْإِرَادَةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ حَقِيقَةً وَنَظِيرُ الضَّرْبِ الثَّانِي قَوْلُهُ فَوَجَدا فِيها جِدارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فأطلق لَفْظِ الْإِرَادَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِع مَجَازٌ لَا حقيقة ونحو قوله إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ فَاسْمُ الْخَمْرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حَقِيقَةٌ فِيمَا أُطْلِقَ فِيهِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْرًا فَأَطْلَقَ اسْمَ الْخَمْرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَجَازًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْصَرُ الْعِنَبُ لَا الْخَمْرُ وَنَحْوُ قَوْلِهِ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها فَاسْمُ الْقَرْيَةِ فِيهَا حَقِيقَةٌ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْبُنْيَانَ ثم قوله وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها مَجَازٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا مَا وُضِعَ اللَّفْظُ لَهُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا أَرَادَ أَهْلَهَا وَتَنْفَصِلُ الْحَقِيقَةُ مِنْ الْمَجَازِ بِأَنَّ مَا لَزِمَ مُسَمَّيَاتِهِ فَلَمْ يَنْتِفْ عَنْهُ بِحَالٍ فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ وَمَا جَازَ انْتِفَاؤُهُ عَنْ مُسَمَّيَاتِهِ فَهُوَ مَجَازٌ أَلَا تَرَى أَنَّكَ إذَا قُلْتَ إنَّهُ لَيْسَ للحائط إرادة كنت صادقا ولو قال قائل إن الله لا يريد شيئا أو الإنسان الْعَاقِلُ لَيْسَتْ لَهُ إرَادَةٌ كَانَ مُبْطِلًا فِي قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ تَقُولَ إنَّ الْعَصِيرَ لَيْسَ بِخَمْرٍ وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ إنَّ النِّيَّ الْمُشْتَدَّ مِنْ مَاء الْعِنَبِ لَيْسَ بِخَمْرٍ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ وَالْأَسْمَاءُ الشَّرْعِيَّةُ فِي مَعْنَى أَسْمَاءِ الْمَجَازِ لَا تَتَعَدَّى بِهَا مَوَاضِعَهَا الَّتِي سُمِّيَتْ بِهَا فَلَمَّا وَجَدْنَا اسْمَ الْخَمْرِ قَدْ يَنْتَفِي عَنْ سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ سِوَى النِّيّ الْمُشْتَدِّ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ عَلِمْنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِخَمْرٍ فِي الْحَقِيقَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ انْتِفَاءِ اسْمِ الْخَمْرِ عَمَّا وَصَفْنَا
حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِنَشْوَانَ فَقَالَ أَشَرِبْتَ خَمْرًا فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا شَرِبْتُهَا مُنْذُ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَمَاذَا شَرِبْتَ قَالَ شَرِبْتُ الْخَلِيطَيْنِ فَحَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْخَلِيطَيْنِ يَوْمَئِذٍ
فَنَفَى اسْمَ الْخَمْرِ عَنْ الْخَلِيطَيْنِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ ﷺ فَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِخَمْرٍ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ وَمَا بِالْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ مِنْهَا شَيْءٌ فَنَفَى اسْمَ الْخَمْرِ عَنْ أَشْرِبَةِ تَمْرِ
2 / 9