308

Ahkam Quran

أحكام القرآن

Investigator

محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف

Publisher

دار إحياء التراث العربي

Publisher Location

بيروت

Genres

Tafsīr
حَالِ الِاعْتِكَافِ وَقَدْ حَكَيْنَا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيمَنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ فِي حَالِ اعْتِكَافِهِ إلَى بَيْتِهِ وَيُجَامِعُ فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّ ذِكْرَ الْمَسْجِدِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إذَا لَمْ يُعَلَّقْ به حظر الْجِمَاعَ إنَّمَا هُوَ لِأَنَّ ذَلِكَ شَرْطُ الِاعْتِكَافِ وَمِنْ أَوْصَافِهِ الَّتِي لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَمَّا كَانَ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ اللَّبْثَ فِي الْمَوْضِعِ ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الِاعْتِكَافَ فَاللَّبْثُ لَا مَحَالَةَ مُرَادٌ بِهِ وَإِنْ أُضِيفَ إلَيْهِ مَعَانٍ أُخَرُ لَمْ يَكُنْ الِاسْمُ لَهَا فِي اللُّغَةِ كَمَا أَنَّ الصَّوْمَ لَمَّا كَانَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْإِمْسَاكُ ثم نقل في الشرع إلى معان أخر لَمْ يُخْرِجْهُ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَرْطِهِ وَأَوْصَافِهِ الَّتِي لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ فَثَبَتَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ هُوَ اللَّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ فَوَاجِبٌ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَوْ لِشُهُودِ الْجُمُعَةِ إذْ كَانَتْ فَرْضًا مَعَ مَا عَاضَدَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ السُّنَّةِ وَلَمَّا لَمْ يَتَعَيَّنْ فَرْضُ شُهُودِ الْجِنَازَةِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْخُرُوجُ لَهُمَا
وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَمُرُّ بِالْمَرِيضِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَمَا يُعَرِّجُ عَلَيْهِ يسئل عَنْهُ وَيَمْضِي
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ مِنْ فِعْلِهَا وَلَمَّا اتَّفَقَ الْجَمِيعُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَخْرُجَ فَيَنْصَرِفُ فِي سَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ مِنْ قَضَاءِ حَوَائِجِ النَّاسِ وَالسَّعْيِ عَلَى عِيَالِهِ وَهُوَ مِنْ الْبِرِّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَكَمَا لَا يُجِيبُهُ إلَى دَعْوَتِهِ كَذَلِكَ عِيَادَتُهُ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي حُقُوقِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَالْكِتَابُ وَالْأَثَرُ وَالنَّظَرُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا وَصَفْنَا فَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِمَا
رَوَى الْهَيَّاجُ الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الْخَالِقِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (الْمُعْتَكِفُ يَتْبَعُ الْجِنَازَةَ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ وَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ قَنَّعَ رَأْسَهُ حَتَّى يَعُودَ إلَيْهِ)
قِيلَ لَهُ هَذَا حَدِيثٌ مَجْهُولُ السَّنَدِ لَا يُعَارَضُ بِهِ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ إنْ دَخَلَ سَقْفًا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ فَتَخْصِيصُهُ السَّقْفَ دُونَ غَيْرِهِ لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّقْفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفَضَاءِ فَإِنَّ كَوْنَهُ فِي الْفَضَاءِ وَالصَّحْرَاءِ لَا يُفْسِدُ اعْتِكَافَهُ فَكَذَلِكَ السَّقْفُ مِثْلُهُ وَأَمَّا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ مِنْ غَيْرِ إحْضَارِ السِّلْعَةِ وَالْمِيزَانِ فَلَا بَأْسَ عِنْدَهُمْ بِهِ وَإِنَّمَا أَرَادُوا الْبَيْعَ بِالْقَوْلِ فَحَسْبُ لَا إحْضَارَ السِّلَعِ وَالْأَثْمَانِ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فَهُوَ كَسَائِرِ كَلَامِهِ فِي الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أنه نهى عن الصمت يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ
فَإِذَا كَانَ الصَّمْتُ مَحْظُورًا فَهُوَ لَا مَحَالَةَ مَأْمُورٌ بِالْكَلَامِ فَسَائِرُ مَا ينافي الصمت

1 / 310