Ahkam Quran
أحكام القرآن
Investigator
محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف
Publisher
دار إحياء التراث العربي
Publisher Location
بيروت
أُخْرَى أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِدْيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ هَذَا الْمِقْدَارُ وَقَدْ أُرِيدَ بِهَا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هُوَ الْمِقْدَارُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِقْدَارَ فِدْيَةِ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ مُوجِبِي الْفِدْيَةِ عَلَى الشَّيْخِ الْكَبِيرِ لَمْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا وقد روى عن ابن عباس وقيس ابن السَّائِبِ الَّذِي كَانَ شَرِيكَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هريرة وسعيد ابن الْمُسَيِّبِ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ
وَأَوْجَبَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ إطْعَامَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ كُلُّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَقْدِيرَ فِدْيَةِ الصَّوْمِ بِنِصْفِ صَاعٍ أَوْلَى مِنْهُ بِالْمُدِّ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ فِي الْأَصْلِ قَدْ تَعَلَّقَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِدْيَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِمَا رَوَيْنَاهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وَلَمَّا عضده قول الأكثرين عدادا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ النظر وقوله تعالى [وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ] قَدْ اُخْتُلِفَ فِي ضَمِيرِ كِنَايَتِهِ فَقَالَ قَائِلُونَ هُوَ عَائِدٌ عَلَى الصَّوْمِ وَقَالَ آخَرُونَ إلَى الْفِدْيَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ مُظْهَرَهُ قَدْ تَقَدَّمَ والفدية لم يجز لَهَا ذِكْرٌ وَالضَّمِيرُ إنَّمَا يَكُونُ لِمُظْهَرٍ مُتَقَدِّمٍ وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْفِدْيَةَ مُؤَنَّثَةٌ وَالضَّمِيرُ في الآية للمذكر في قوله [يُطِيقُونَهُ] وَقَدْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْمُجَبِّرَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّهَ يُكَلِّفُ عِبَادَهُ مَا لَا يُطِيقُونَ وَأَنَّهُمْ غَيْرُ قَادِرِينَ عَلَى الْفِعْلِ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَلَا مُطِيقِينَ لَهُ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ مُطِيقٌ لَهُ قَبْلَ أَنْ يفعله بقوله [وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ] فَوَصَفَهُ بِالْإِطَاقَةِ مَعَ تَرْكِهِ لِلصَّوْمِ وَالْعُدُولِ عَنْهُ إلَى الْفِدْيَةِ وَدَلَالَةُ اللَّفْظِ قَائِمَةٌ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا إذَا كَانَ الضَّمِيرُ هُوَ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مُطِيقًا لَهَا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهَا وَعَدَلَ إلَى الصَّوْمِ
وَقَوْلُهُ ﷿ [شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ] يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ مَذْهَبِ الْمُجَبِّرَةِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَهْدِ الْكُفَّارَ لِأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْقُرْآنَ هُدًى لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى [وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى - وقَوْله تَعَالَى- فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ] يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ غَيْرِ مُتَعَلِّقٍ بِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ فِي إيجَابِ الْفَائِدَةِ يَصِحُّ ابْتِدَاءُ الْخِطَابِ بِهِ فَيَكُونُ حَثًّا عَلَى التَّطَوُّعِ بِالطَّاعَاتِ وَجَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ التَّطَوُّعَ بِزِيَادَةِ طَعَامِ الْفِدْيَةِ لِأَنَّ الْمِقْدَارَ الْمَفْرُوضَ مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ فَإِنْ تَطَوَّعَ بِصَاعٍ أَوْ صَاعَيْنِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ
1 / 222