209

Aḥkām al-Qurʾān

أحكام القرآن

Editor

محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف

Publisher

دار إحياء التراث العربي

Publisher Location

بيروت

Genres

Tafsīr
[وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ] فَأُخْبَرْ بِحُصُولِ التَّفْرِيطِ وَفَوَاتِ الْأَدَاءِ إذْ لَوْ كَانَ الْأَدَاءُ بَاقِيًا عَلَى الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ مِنْ مِيرَاثِ الْمَيِّتِ لَكَانُوا هُمْ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلَّوْمِ وَالتَّعْنِيفِ فِي تَرْكِهِ وَكَانَ الْمَيِّتُ خَارِجًا عَنْ حُكْمِ التَّفْرِيطِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ مَا وَصَفْنَا مِنْ امْتِنَاعِ وُجُوبِ أَدَاءِ زَكَاتِهِ مِنْ مِيرَاثِهِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ مِنْهُ بِهِ فَإِنْ قِيلَ هَلْ يَفْتَرِقُ حُكْمُ الْمُوصِي عِنْدَ اللَّهِ فِي حَالِ تَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ أَوْ تَبْدِيلِهَا وَهَلْ يَكُونُ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الثَّوَابِ فِي الْحَالَيْنِ سَوَاءٌ قِيلَ لَهُ إنَّ وَصِيَّة الْمُوصِي قَدْ تَضَمَّنَتْ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا اسْتِحْقَاقَهُ الثَّوَاب عَلَى اللَّهِ بِوَصِيَّتِهِ وَالْآخَرُ أَنَّ وُصُولَ ذَلِكَ إلَى الْمُوصَى لَهُ يَسْتَوْجِبَ مِنْهُ الشُّكْرَ لِلَّهِ وَالدُّعَاءَ لِلْمُوصِي وَذَلِكَ لَا يَكُونُ ثَوَابًا لِلْمُوصِي وَلَكِنَّ الْمُوصِي يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ دُعَاءِ الْمُوصَى لَهُ وَشُكْرِهِ لِلَّهِ تَعَالَى جَزَاءً لَهُ
لَا لِلْمُوصِي فَيَنْتَفِعُ الْمُوصِي بِذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ إذَا أُنْفِذَتْ الْوَصِيَّةُ وَمَتَى لَمْ تَنْفُذْ كَانَ نَفْعُهُ مَقْصُورًا عَلَى الثواب الذي استحقه بوصية دُونَ غَيْرِهَا فَإِنْ قِيلَ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَمْ يُوصِ بِقَضَائِهِ وَقَضَاهُ الْوَرَثَةُ هَلْ يَبْرَأُ الْمَيِّتُ مِنْ تَبِعَتِهِ قِيلَ لَهُ امْتِنَاعُهُ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْن قَدْ تَضَمَّنْ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْآخَرُ حَقُّ الْآدَمِيِّ فَإِذَا استوفى الآدمي حقه فقد برىء مِنْ تَبِعَتِهِ وَبَقِيَ مِنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ مَا أُدْخِلَ عَلَيْهِ مِنْ الظُّلْمِ وَالضَّرَرِ بِتَأْخِيرِهِ فَإِذَا لَمْ يَتُبْ مِنْهُ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ فِي الْآخِرَةِ وَبَقِيَ حَقُّ اللَّهِ وَهُوَ الظُّلْمُ الْوَاقِعُ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ لَمْ تَكُنْ تَوْبَةٌ مِنْهُ فِيهِ فَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا وَأَصَرَّ عَلَى مَنْعِهِ كَانَ مُكْتَسِبًا بِذَلِكَ الْمَأْثَمَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا حَقُّ اللَّهِ بِارْتِكَابِ نَهْيِهِ وَالْآخَرُ حَقُّ الْآدَمِيِّ بِظُلْمِهِ لَهُ وَإِضْرَارِهِ بِهِ فَلَوْ أَنَّ الْآدَمِيَّ أَخَذَ حَقَّهُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ الْغَاصِبِ لِذَلِكَ لكان قد برىء مِنْ حَقِّهِ وَبَقِيَ حَقُّ اللَّهِ يَحْتَاجُ إلَى التَّوْبَةِ مِنْهُ فَإِذَا مَاتَ غَيْرَ تَائِبٍ كَانَتْ تَبِعَتُهُ بَاقِيَةً عَلَيْهِ لَاحِقَةً بِهِ وقَوْله تَعَالَى [فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ] إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ بَدَّلَ ذَلِكَ إذَا وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ وَالْجَوَازِ وَالْعَدْلِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ جَوْرًا فَالْوَاجِبُ تَبْدِيلُهَا وَرَدُّهَا إلَى الْعَدْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى [غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ] فَإِنَّمَا تُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ إذَا وَقَعَتْ عَادِلَةً غَيْرَ جَائِرَةٍ وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلِيهَا.
بَاب الشَّاهِدُ وَالْوَصِيُّ إذَا عَلِمَا الْجَوْرَ فِي الْوَصِيَّةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى [فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ] قال أبو

1 / 211