فأجابه الشريكان وقالا بنفس واحد: «هذا كلام فارغ! ونحن لا نسمح لمثلك باتهامنا بالخيانة، وعدم مراعاة واجب الأمانة، وسنثبت لك من دفاترك ودفاتر الشركة أن الميزانية التي أمامنا لا يشوبها أقل شك في صحة أرقامها ...»
وكان الجدل بخصوص حساب الأرباح التي تخص كلا منهم قد أنساهم خطر النيران المحدقة بهم، فاستمروا في خصامهم إلى أن أحاطت بهم ألسنة اللهب، فحالت دون نجاتهم، ثم التهمتهم ودفاتر حسابهم، وكل ما كان لهم من مال وسلع وعقار.
زهرة الحقل الزرقاء والخنفساء
كانت الزهرة الصغيرة الزرقاء التي نبتت منزوية في ركن مهجور من الحديقة الغناء تعاني غصة الشعور بالضعف والذبول ودنو الأجل، وفجأة انتصبت واقفة على عودها في صحوة موتها، وطأطأت رأسها لأن برد الليل لم يترك لها من القوة ما يمكنها من حملها منتصبة فوق عاتقها، وطفقت تناجي نسيم الفجر البارد الذي كان يداعب أوراقها، وقالت متأوهة - وهي تكاد تلفظ آخر أنفاسها: «آه، لو انبلج النهار، وأشرقت الشمس! إني أومن بأنها - جلت قدرتها - سترسل لي مع أشعتها الذهبية حياة جديدة ...!»
وسمعتها الخنفساء التي كانت جالسة بالقرب منها، فانتهرتها قائلة: «ما هذا الهذيان الضائع في جو هذا الفجر الصاقع؟ أتظنين أيتها النبتة الغبية الحقيرة أن الشمس بجلالة قدرها لها من وقتها الثمين ما يسمح بالتفكير في أمر سلامة زهرة لا قيمة لحياتها مثلك أو هلاكها؟ فلو كنت قد تجولت في أرجاء العالم الكبير - كما فعلت - لرأيت أن المروج الوسيعة، والمراعي الفسيحة، وحقول الغلال بأنواعها العديدة تستمد حياتها من هذه الشمس العظيمة التي ترجين منها العون على استبقاء حياتك، وعلمت أن هذه الشمس - عزت وجلت - لا تشرق إلا على الأشجار الباسقة، كالبلوط والأرز والحور والزان؛ لتمدها بأسباب الحياة، كما أنها تكسو النباتات والزهور العطرية بما يبهر الأنظار من الألوان البديعة التي تسيل الدموع من عيون المناجل عندما تضطرها قسوة الإنسان وجشعه إلى حصدها، أما أنت فلست بالعظيمة القدر أو الكبيرة الحجم، ولا بالجميلة المنظر أو الذكية الرائحة حتى تطمعي في رعاية هذه الشمس - جل جلالها - لأن لديها من الأمور الهامة ما لا يسمح لها بالاستغناء عن شعاع من أشعتها الذهبية ترسلها لأجلك، فالزمي الصمت، واذبلي لتموتي بسلام، فتستريحي وتريحينا من سماع توسلاتك وأنينك وآهاتك.» •••
ولكن الشمس المحبوبة أشرقت كعادتها في الصباح، وأرسلت أشعتها إلى كل ما وقع تحت بصرها، كبيرا كان أم صغيرا.
وهكذا شملت هذه الأشعة زهرتنا الصغيرة الزرقاء التي أذبلها برد الليل، فأعادت إليها حياتها وسعادتها.
معاهدة صداقة وعدم اعتداء
تناول الكلبان أكلة شبع من طعام وافر لذيذ في مأدبة أقيمت لتأييد السلام، ثم تمددا في ظل الشجرة الوارف، يتجاذبان أطراف الحديث في هدوء وسلام واطمئنان، وتحدثا عن كل ما يهمهما أمره، وعلى الخصوص عن عيشة
1
Unknown page