وبعد تفكير غير طويل قلت في نفسي: التجي يا صبي إلى نفسك، ما حك جلدك مثل ظفرك. أما دلتك سيماء سامي بك على طواياه؟ ألا يقرأ المكتوب من عنوانه؟ أما عرفت أن روح هذا الرجل في كفه؟ وهو مستعد - في كل ساعة - أن يهبها لاثنين: الأفضال والنضال.
وإذا لم يكن لديك شفيع غير قلمك وحق القرى في الحياة فهذا يكفيك. أما سمعت أن سامي بك هو أبو المشاريع العمرانية، وأنه إذا بان له حق لا ينام حتى يقره. أنسيت قول الشاعر: إن تطلبوا الحق نعطي الحق صاحبه. هذا لسان حال كل رجل دولة نزيه كسامي بك.
ورحت إذ ذاك أفكر كيف أداور أمري، فقالت لي النفس: الحقيقة وحدها يجب أن تقال لرجل كهذا لا يحب إلا الصراحة. في يدك ثلاثون عريضة من ثلاثين قرية أهلها يستصرخون الحكومة طالبين شق طريق فيها لهم ولغيرهم حياة، فأقدم ولا تردد. وأخيرا أقدمت مستعينا بالحبر والورق الذي خذلني في مواقف عديدة حتى اتخذته - مؤخرا - عنوانا عاما لما أكتب.
وقعدت أكتب رسالة لسامي بك مستلهما وجهه المنير وابتسامته التي تضيء وجهه ووجوه من في حضرته، وبدأت أبجل وأعظم.
وبعد هنيهة قرأت ما كتبت فإذا به مبتذل، حبر على ورق. فقلت: أبهذه الثرثرة يواجه الرجل الحر؟ أهذا كلام يدر؟ هذا كلام يسمعه أولياء الأمور كل يوم متأففين متضجرين، وحبر على ورق لا يخرج من الظرف إلا لينام في سلة المهملات، فإن كان ما لا بد منه، فغيره.
وأخذت تلك الورقة ومزقتها نتفا نتفا، ورحت أكتب على خيرة الله:
سيدي صاحب الدولة الأفخم
العصر - يا مولاي - عصر هرولة واستعجال، فاسمح لي أن أهنئك بسرعة وأخاطبك بسرعة.
يعتقد غيري بخيرات المقابلات الجزيلة، أما أنا فبالعكس، فإذا أردت أن تصغي، فالمكتوب خير من المسموع وأبقى. وإلا فإني أضن بوقتك ووقتي. أضن بوقتك الثمين وتضييعه في الإصغاء إلى وكيل مسخر عن منطقة منسية لا يعرفها إلا الجباة، ولا يرتادها إلا المرشحون، قبل ساعة الانتخاب بأيام، وهب أن المقابلة كانت فعم تنجلي تلك الغمرة؟ نفتش كلانا عن عبارة يجمل بها الحديث، أبخرك وتشكرني، وأنصرف من عندك لكي أتبجح في كل محضر: قابلت دولة سامي بك، ما شالله، رجل لطيف جدا، متواضع كأنه ليس رئيس دولة.
عفوا. والوعود يا مولاي، كيف ننساها وهي بيت القصيد؟ تعدني أنت وعدا أجعله أنا حكما مبرما، فيتصاعد الدعاء من أفواه الآملين. إن الثناء حاصل في كل حال يا سيدي، فنحن قوم تعودنا أن نكون دائما مع (الواقف) أما من يقعد، فيقعد وحده، إننا نقوم مع القائمين، ولا نركع مع الراكعين.
Unknown page