فأجابت: أهو قلب الأم حديد حتى تقسيه؟
فأجاب وهو يشد على كل كلمة: العلم لا يسع معه شيئا. رؤية إخوته ربع ساعة تشغل باله جمعة. الله يجبرك يا أم مارون، اتركي ابنك يتعلم، الصبي شاطر، لا تشغلي باله. قال هذا ودق الجرس وعج: أنافان.
لم يعز والدتي إلا بهذه الكلمة، قالها وهو مشمر: تموز قريب، ما بقي إلا ثلاثة أشهر ونصف. وأدارت أمي ظهرها وأظنها بكت، أما أنا فالتفت صوبها، فزجرني الراعي كما يزجر المعاز عنزة خرجت من الصف، فلعنت لحيته في قلبي.
قلت: تموز. تموز، نعم، يا قارئي العزيز، كنا ندخل المدارس في أول تشرين الأول، ثم لا نخرج منها إلا في منتصف تموز، لا فرص ولا أعياد. لا مرفع ولا من يحزنون. قلت هذا لأذكر أنظمة مدارس ذلك الزمان.
أما اليوم فتموز محذوف من تاريخ السنة المدرسية، وتشرين الأول أكلوا ثلثه، والفرص أكثر من الهم على القلب. في كل أسبوع يصبح التلميذ أهله ويمسيهم ، ناهيك بمخالطته الناس في المدن، فمن قهوة إلى سينما، ومن مرقص إلى سباق خيل، إلى جهنم الحمرا.
إذا وبخ الأستاذ تلميذا وقعت السماء على الأرض. وإذا فرك المعلم أذن صبي أقعد والده شاربيه وكشر عن نابيه وشمر عن ساعديه، وجاء المدرسة للمصارعة.
ولا تنس الإضرابات والتظاهرات فهي تذهب بقسم كبير من أوقات الطالب، خصوصا إذا كان الموسم مقبلا، وهناك بلية هي شر تلك البلايا؛ إنها بلية الإذن، وقد سهلها التلفون، ففي كل يوم يزعجنا الطلاب وذووهم. وإليك نموذجا.
دق جرس التلفون. - نعم هنا المدرسة، من تريد الست؟ - من فضلك مدير المدرسة. - نعم، أنا المدير، وحضرتك؟ - أنا أم فؤاد يا أستاذ. - أي فؤاد منهم؟ عندي أكثر من فؤاد يا ست. - فؤاد، فؤاد عيطو. أرجوك أن تسمح له يوم السبت. - لا إذن في التلفون. - كيف؟ - نعم، هذا ممنوع. - والسبب؟ - السبب بسيط، أنا لا أعرف صوتك. وأحيانا تكون الأم غير أم. - شو عمبتقول، بارول دونر أنا أمه. - أمس كان عندكم يا ست، والإذن بالشهر مرة.
ولما عرفت أن حيلتها لم تجز علي راحت تقهقه وتغني بلا حياء: زروني بالسني مرة.
هذه واحدة وواحدة أخرى أتت من واحد لم تعجبني سيماه. أقبل علي يستأذن لطالب زاعما أنه جاء من عند أبيه الذي ينتظره ببيروت.
Unknown page