Ahadith Mazini
أحاديث المازني
Genres
وكان مقام المسلمين في يثرب طيبا محمودا لا أذى فيه ومشقة فغير معقول أن لا يفكر النبي في اتخاذ يثرب مهجرا للمسلمين الذين يعانون الأمرين في مكة ولنفسه أيضا إذا كان لابد من ذلك ولا معدى عن ذلك.. إن التفكير في ذلك هو تفكير يبعث عليه ويوحي به واجب الدفاع عن النفس.
يدل على ذلك أن النبي في العام التالي - لما قدم مكة عشرات من مسلمين يثرب - لقيهم واقترح أو طلب أن يعقد مع مسلمي يثرب حلفا دفاعيا لرد عدوان المشركين وقد تم له ما أراد وعقدت بيعة العقبة الثانية وهي أول تدبير عملي في سبيل الدفاع عن النفس.
وقد أزعج خبرها قريشا جدا فاضطربت وأشفقت وذهبت تسعى لتستوثق من الخبر فإن صحة الخبر معناها ذهاب كل أمل في التغلب على النبي. وقد بلغ من جزعهم من هذا الحلف وصحة تقديرهم لعواقبه المحققة أن قريشا ائتمرت بالنبي تريد قتله ودبرت ذلك فعلا وأحكمت التدبير كما هو معروف مشهور فأدى ذلك إلى التعجيل بهجرة النبي نفسه.
وقد كانت الهجرة في سبيل الله وللدفاع عن النفس ولكنها أدت إلى أمور شتى. فقد كان النبى في مكة حسبه أن يتقي أذى قريش ويتجلد ويصبر على عنتهم واضطهادهم فلما هاجر لم يبق لمثل هذا الصبر مسوغ ولا بالمسلمين إليه حاجة وقد كثروا وصارت لهم قوة من جموع الأنصار والمهاجرين معا. ففي وسعهم أن يردوا الأذى ويقابلوا العدوان بالعدوان. ثم إن كثرة المسلمين في يثرب جعلتهم جماعة يجب فضلا عن تثقيفهم في الدين تنظيم أمورهم والنظر في مصالحهم وإقامة علاقاتهم بغيرهم على قواعد مرضية.
وقد بدأ التشريع الإسلامي بعد الهجرة وبدأت كذلك الحروب باللسان ثم بالسلاح وبدأ التعرض لتجارة قريش . ولا حاجة بنا إلى التفصيل فإنه تاريخ معروف ويكفي أن نقول إن الهجرة أتاحت للمسلمين أن يكونوا أمة وأن ينتظموا كما تنتظم الأمم وأكسبهم مركزا تسنى لهم بفضله أن يتحكموا في مكة اقتصاديا وحربيا أيضا وقد انتهى الأمر بالفعل بفتح مكة وإعلاء كلمة الله.
ويكفي للدلالة على ما كان للهجرة إلى يثرب من قيمة في التاريخ الإسلامي أنه لما أريد بعد ذلك تأريخ الحوادث أشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه باتخاذ عام الهجرة مبدأ لهذا التاريخ. والواقع أن هذه الهجرة كانت هي الباب الذي فتحه الله لنشر الدين وإعلاء شأنه والقضاء على الشرك والكفر وجعل من العرب أمة لها في العالم مقام وفي حياته أثر.
ولو أن الهجرة كانت إلى الحبشة لما أثمرت شيئا من هذا ولخرج الأمر على كل حال من جزيرة العرب ولكان الأرجح ألا ينتقل العرب إلى حال أخرى. ولو أنها كانت إلى اليمن مثلا لكان الأغلب أن تبقى مكة بمعزل عن الإسلام ولكن المدينة كانت على طريق التجارة إلى الشام، فالذي يستولي على الأمر فيها يتسلط على مكة ويتحكم في حياتها كما حدث بالفعل.
ولا شك أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يفكر في المدينة من زمان طويل قبل أن يقصد إليها فقد كان كل شيء يدعو إلى ذلك - حنين قلبه ومصلحة المسلمين في الدفاع عن أنفسهم أولا ثم في التغلب على مكة والقضاء على شرك قريش. ولعل من الدلائل على طول التفكير واتجاه النفس وعلى الإيحاء أيضا أن النبي كان أول الأمر يتجه في الصلاة إلى المدينة جاعلا قبلته المسجد الأقصى. فلما انتهى هذا الدور جعل الكعبة قبلته في الصلاة فوجه المسلمين صوب مكة حتى استولى عليها.
الفصل السادس
مصرع الحسين
Unknown page