Ahadith and Narrations in the Balance 1 - Surah Yasin, the Heart of the Quran
أحاديث ومرويات في الميزان ١ - حديث قلب القرآن يس
Publisher
ملتقى أهل الحديث
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٦ هـ
Publisher Location
مكة المكرمة
Genres
تقدمة [هذه الطبعة]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١)﴾ .
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (١) .
_________
(١) انظر تقدمة الجزء الثاني من هذه السلسلة المباركة - إن شاء الله ـ: (حديث: «ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة ...» في الميزان) تعلم السبب في إعراضي عن اللفظة المشهورة جدًا: «وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» وأنها شاذة، و(الشاذ في عداد الواهي) كما قال الإمام الذهبي ﵀ في كتابه القيم «المُوقظة»، ومعناها أيضًا غير صحيح كما في «مجموع الفتاوى» (١٩ / ١٩١) . والله أعلى وأعلم.
1 / 5
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
فهذه تقدمة بين يدَي الطبعة الجديدة من الحلقة الأولى من سلسلة: «أحاديث ومرويات في الميزان» والتي كان عنوانها:
(حديث «قلب القرآن يس» في الميزان وجملة مما رُوي في فضلها) .
وقد أبقيت أصل الكتاب على حاله - سوى أحرف يسيرة - تيسيرًا على إخواني الأفاضل الذين تفضلوا بقبول نشر هذه السلسلة وإخراجها في أبهى حلة إن شاء الله تعالى، وجعلت الاستدراكات التي طرأت عليه - حتى الآن - ملحقة بآخره.
وفيها حديثان زدت أحدهما، واستدرك عليَّ الآخرَ أحدُ طلبة العلم الذي أجد فيه مخايل النجابة، والشغف الشديد بهذا العلم الشريف.
أسأل الله لي وله وللمسلمين جميعًا التوفيق والسداد، والقبول والرشاد، وأسأله أن يجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
(ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) .
1 / 6
اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا،
واجعلنا شاكرين لنعمتك، مُثْنِينَ بها، قابليها، وأتمها علينا (١) .
آمين. آمين. آمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.
وكتبه:
محمد عمرو بن عبد اللطيف
بمنزله بمدينة نصر
ليلة الثلاثاء العاشرمن ذي القعدة سنة ١٤٢٥
من هجرة حبيب الله ﷺ.
_________
(١) الدعاء ثابت عن ابن مسعود ﵁ موقوفًا عليه، وأخطأ شَرِيْكُ القاضي ﵀
فرفعه إلى النبي ﷺ.
1 / 7
تقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١)﴾ .
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
1 / 8
فإني أتقدم إلى إخواني الكرام من المهتمين بحديث النبي ﷺ والمشتغلين بتخريجه وتحقيقه ومعرفة مراتبه بهذه الرسالة الجديدة التي ستكون بإذن الله جل وعلا باكورة السلسلة التي أسميتها (أحاديث ومرويات في الميزان) .
وهي بعنوان: (حديث «قلب القرآن يس» في الميزان) وجملة مما رُوي في فضلها، أعني ما رُوي عن النبي ﷺ أنه قال: «إن لكل شيء قلبًا وقلب القرآن يس، ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات» لكنني آثرت اختصار العنوان مكتفيًا بالإشارة وقد أشرت إلى ذلك في تقدمتي لرسالة أهلي - أم عبد الرحمن بنت النوبي - حفظها الله تعالى ـ: (إماطة الجهل بحال حديثَي «ما خير للنساء؟» و«عقدة الحبل»)، وأومأت في الحاشية - بإيجاز - إلى قصة اختيار هذه الرسالة.
وأزيد هنا إبداء اغتباطي وفرحي بستر الله ﷿ وفضله حيث لم يقدر لي - سبحانه - أن أورده في الجزء الثاني من «تكميل النفع»، فقد تبين لي بَعْدُ ثبوته عن صاحب لمعمر بن راشد ﵀ لم يُسَمَّ، على احتمال أبديته في موضوعه مما يتنافى مع شرطي في الكتاب المتقدم ذكره. أضف إلى ذلك أن التأني في تنقيحه قد أفاد كثيرًا في تدعيمه بالفوائد الجمة، والتعليقات التي رأيتها تنفع القارئ الكريم لأدنى مناسبة مع العلم بأن اكتمال عناصر هذه الرسالة لدي - قبل الشروع في
1 / 9
تبييضها وتنقيحها - هو الذي دعاني إلى البدء بها في هذه السلسلة التي أدعو الله ﷿ أن يُبَلِّغَهَا أقوامًا ينتفعون بما فيها ولا يضنون على أخيهم بالنصح والإرشاد والملاحظات النافعة، ولا بالدعوات الصالحة بظهر الغيب: أن يتقبل الله ﷿ مني صالح عملي، وأن يتجاوز عن سيئاتي، وأن يجعل ما أقول وأفعل حجة لي لا عَلَيَّ.
وأن يجعل الحرص والإسهاب الذَيْن لا يخفيان علي القارئ اللبيب مما خلص لوجه ربنا الكريم. إنه خير مسؤول وأقرب مأمول.
وهو حسبي ونعم الوكيل.
كما أتقدم إلى الجميع - ناصحًا - أن يتقوا الله ﷿ فيَّ، ويقدروني قدري، ويكرروا النظر والتأمل فيما سطرته في تقدمتى للجزء الأول من «تكميل النفع» وفي ص ١٠٣: ١٠٥ منه أيضًا.
والذي استبان لي بيقين أن استعجالي في تصنيف الرسائل والكتب، والتعليق عليها، بل ومراجعة بعضها، هو الذي جرَّ عليَّ أمورًا لم تكن في الحسبان، وتَعَرُّفًا من الكثيرين عَلَيَّ، بصورة لم تخطر على القلب، بحيث ارتسم في أذهان الكثيرين تصور غير صادق لحقيقة أمري ومبلغ علمي، وزادهم اغترارًا بي: إجازةٌ من الشيخ محمد نجيب المطيعي ﵀ لم أستشرف لها ولم أسع إليها، ولم أُرٍه من نفسي ما يؤهلني لها (١) . إنما هو مجرد توسم للخير فِيَّ من شيخ فاضل لم ألازمه ولم أُطِل صحبته ولا الانتفاع به.
_________
(١) ولا علاقة لها بكتاب «المجموع» - رغم وجودها فيه - ولا غيره. وأتوقع أن يستغل هذه التصريحات بعض ضعفاء النفوس. فالله يتولاني، وهو حسبي ونعم الوكيل.
1 / 10
وقد صرت أسمع ألقابًا وأوصافًا لا تنبغي للمتقين، ولا تليق إلا بالعلماء - حقًا وصدقًا - من الحفاظ العاملين!
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى تعليق آمالٍ على المسكين وأنه أهل أن يدرس فقهًا، أو يلقي محاضرة في قضية عامة، أو يُطْلَب منه موعد لحل مشكلة زوجية ينبني عليها تقرير مصير!! وجماعة من المتقين من علماء الأمة - حقًا وصدقًا - كانوا يتحاشون كثيرًا من هذه الأمور فلا ينطقون فيها بحرف، مع الأهلية والكفاءة!
إن إنسانًا ابتُلِي بمعرفة الناس إيَّاه وتمييزه في المعاملة ومبالغتهم في أمره أحيانًا إلى درجة الكذب عليه (!) ينبغي أن يُرحم وأن يُعان على تخليص رقبته، وعلى هوى نفسه وشيطانه ودنياه، فإن النفوس - في هذا الزمان - ضعيفة تسارع إليها الفتنة إن لم يتداركها ربها - تعالى - برحمته فأرجو هؤلاء وأولئك أن يصححوا تصورهم، وألاَّ يحملوا ما ذكرتُ على تواضع أو غيره، فإن لكل مقام مقالًا كما قال أبو الطفيل عليه رضوان الله، وذلك قبل أن يؤاخذني ربي - جل وعلا - على ما يقولون (١) ويفعلون ويعتقدون ويغالون.
إذ أن المقصد الأسمى عند كل من عرف هذا الرب الجليل - تعالى ـ
_________
(١) وقد دار حوار بيني وبين أهلي فهمتُ - على أثره - أن البعض يظن أنني لا أتقاضى مقابلًا نظير كتبي ورسائلي. وليس هذا بصحيح.
1 / 11
ورضيه ربًا وإلهًا، ورضي محمدًا ﷺ نبيًا ورسولًا، وشريعة الإسلام دينًا ومنهجًا هو رضوانه - تعالى - في الدنيا والآخرة، ومغفرته للذنوب الأوزار، وستره عليه في الدنيا والآخرة، ودخول جنته، والتزحزح عن ناره وعذابه، وكل ما سوى ذلك فهو تابع له، دائر في فلكه.
فعلى كل امرئٍ أن يُقبل على شأنه ويعرض عما لا ينفعه في الدنيا ولا في الآخرة. اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد.
وكتبه:
محمد عمرو بن عبد اللطيف
القاهرة في أوقات متفرقة كان آخرها يوم الثلاثاء الموافق
٧ من صفر سنة ١٤١٤ هـ
و٢٦ من يوليو سنة ١٩٩٣م.
1 / 12
نص الحديث
(إن لكل شيء قلبًا، وقلب القرآن يس، ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات)
1 / 13
الطرق الإجمالية للحديث مرفوعًا وموقوفًا ومقطوعًا:
رُوِيَ هذا الحديث - بالتمام الذي قدمته - من حديث أنس بن مالك - وهذا لفظه - وبنحوه من حديث ابن عباس، وأبي بن كعب - من طريقين عنه بتفاوت في تضعيف الثواب المتقرر فيه، وبشطره (١) الأول من حديث أبي هريرة، وابن عباس، ومعقل بن يسار.
وبشطره الثاني من حديث أبي هريرة وأبي سعيد بتفاوت في تضعيف الثواب في لفظ ثانيهما، وابن عباس، وعقبة بن عامر، ومن معضل حسان بن عطية المحاربي.
ورُويَ موقوفًا - بشطره الأول فيما يظهر - على معقل بن يسار، وأبي قلابة الجرمي - مقطوعًا - بتفاوت في الثواب، وعبد الرحمن بن أبي ليلي الأنصاري مقطوعًا أيضًا بالشطر الأول، وعن صاحب لمعمر لم يُسَم مقطوعًا أيضًا بتفاوت في الثواب (وهذا الثواب المتقرر فيه مروي عن سليمان التيمي أو الحسن البصري على تردد) . وعن يحيى بن أبي كثير مقطوعًا أيضًا بشطره الأول (٢) (وفي نسبته إليه أو إلى غيره تردد مشار إليه في محله) .
_________
(١) حيث أذكر (الشطر الأول) لا أعني أن الرواية لم تقرر فضلًا لقراءة السورة، ولكن أقصد أن ليس فيها تضعيف الثواب بحيث تعدل قراءة القرآن عشر مرات أو أقل أو أكثر. فتنبه.
(٢) وليس في كلها عبارة «إن لكل شيء قلبًا» فهذا مرادي بالشطر الأول.
1 / 15
هذا، وقد ختمت الرسالة بفائدة لم أَرَ فيها كبير فائدة، حيث أنها تتعلق بشرح بعض العلماء لهذا الحديث غير الصحيح، لكنني - أثناء ذلك - دعمتها ببعض الفوائد، وعقبت تعقيبًا ينبئ عن وجهة نظري النهائية في الحديث سندًا ومتنًا.
وهذا أوان الشروع في البيان التفصيلي لهذه الطرق وفقًا للترتيب الذي أجملتُه:
١ـ حديث أنس:
قال الإمام أبو عيسى الترمذي ﵀ في «جامعه» (١)
(٢٨٨٧): «حدثنا
_________
(١) قال الحافظ ابن كثير ﵀ في «اختصار علوم الحديث» (ص ٣١) تحت عنوان: (إطلاق اسم «الصحيح» على الترمذي والنسائي): «وكان الحاكم أبو عبد الله والخطيب البغدادي يسميان كتاب الترمذي: «الجامع الصحيح» وهذا تساهل منهما، فإن فيه أحاديث كثيرة منكرة ...» .
وقال الدكتور نور الدين عتر في كتابه: «الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين» (ص ٥٠ - ٥١): «أما عنوان الكتاب نفسه واسمه الذي يطلق عليه، فقد وجدنا له عدة أسماء أطلقت عليه وهى:
١ - صحيح الترمذي وهو إطلاق الخطيب كما ذكر السيوطي.
٢ - الجامع الصحيح وهو إطلاق الحاكم.
ونحن نجد بعض حديثه صحيحًا وبعضه حسنًا ومنه دون ذلك وهو ينص على هذه الدرجات صراحة، إذن ففي كل من هاتين التسميتين ضَرْبٌ من التَّجَوُّز.
٣ - الجامع الكبير، ذكره الكتاني في الرسالة المستطرفة وهو قليل الاستعمال.
٤ - السنن، وهو اسم مشهور للكتاب، ويكثر نسبته إلى مؤلفه فيقال سنن الترمذي تمييزًا له عن بقية السنن.
ووجه هذه التسمية اشتماله على أحاديث الأحكام مرتبة على ترتيب أبواب الفقه، وما كان كذلك يسمى سننًا، ولكن الكتاب فيه الأحكام وغيرها. ففي هذه التسمية تَجَوُّزٌ بتسمية الكل ببعض أجزائه.
٥ - الجامع: وهو أشهر وأكثر استعمالًا، واشتهر إطلاقه منسوبًا إلى مؤلفه فيقال: «جامع الترمذي» ووجه تسميته بذلك: أن الجامع عند المحدثين ما كان مستوعبًا لنماذج فنون الحديث الثمانية، وهي هذه: السير والآداب، والتفسير، والعقائد، والفتن، والأحكام، والأشراط، والمناقب، فسُمِّيَ الكتاب جامعًا لوجود هذه الأبواب فيه.
وهذا الاسم «الجامع» أو «جامع الترمذي» يدل على الكتاب بالمطابقة وذلك:
٦ - لاشتماله على هذه الفنون الثمانية.
٧ - لأنه مطلق عن قيد الصحة، فيطابق حال الكتاب وواقعه، فهو إذن أولى الأسماء بالإطلاق على كتاب الإمام الترمذي فاستحسن أن يسمى الكتاب ويطبع بعنوان «الجامع» فأما من طبع الكتاب بعنوان الصحة مثل «صحيح الترمذي» أو «الجامع الصحيح» فهذا عمل قد أخطأ صاحبه التوفيق، لما ذكرنا فيه من التساهل، ولأنا نخشى أن يقع في اللبس بسببه من لا دراية عنده، فيظن كل أحاديث الكتاب صحيحة، وهو خلاف الواقع» أهـ.
قلت: والكتاب المذكور نفيس، فهو حري بالدراسة والاهتمام لما فيه من إزاحة كثير من الإشكالات المتعلقة باصطلاحات الترمذي وما يتعلق بكتابه.
1 / 16
قتيبة وسفيان بن وكيع قالا: حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن الحسن بن صالح عن هارون أبي محمد عن مقاتل بن حيان عن قتادة عن أنس قال: قال النبي ﷺ: (إن لكل شيء قلبًا، وقلب القرآن يس، ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات)» . ثم قال: «هذا حديث غريب (١) لا نعرفه إلا من حديث حميد بن عبد الرحمن، وبالبصرة لا يعرفون (٢) من حديث قتادة إلا من هذا الوجه وهارون أبو محمد شيخ مجهول.
_________
(١) وفي نسخة: «حسن غريب» كما سيأتي عن العلامة الألباني.
(٢) يعني: لا يعرفون هذا الحديث. وكذلك العبارة في المخطوط (ق ٢٢٦ ب) و«عارضة الأحوذي» و«التحفة» . وسأزيدها بيانًا في محله بإذن الله.
1 / 17
حدثنا (١) أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا أحمد بن سعيد الدرامي حدثنا قتيبة عن حميد بن عبد الرحمن بهذا، وفي الباب عن أبي بكر الصديق، ولا يصح من قبل إسناده، إسناده ضعيف» .
زاد في المخطوط و«التحفة»: «وفي الباب عن أبي هريرة»، وقال الحافظ أبو بشر الدَّوْلابيّ ﵀ في «الكنى والأسماء» له (٢/١٠٢): «أخبرنى أحمد بن شعيب (٢) قال: أنبأ قتيبة بن سعيد ...» فذكره مختصرًا. (وتحرف عنده: الحسن بن صالح إلى: جبير بن صالح!) . ورواه الخطيب (٤/١٦٧) من طريق أبي زرعة الرازي حدثنا أبوحفص عمرو بن على حدثني أحمد بن سعيد الدرامي النيسابوري حدثنا قتيبة بن سعيد - أبو رجاء البغلاني - به مختصرًا.
وهو والبيهقي في «الشعب» (٢٤٦٠) من طريقين عن داود بن الحسين حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي به.
_________
(١) وهذا إسناد نازل للترمذي يلتقي أيضًا عند شيخه قتيبة، ولم أدْر ما الذي حمله على ذلك.
(٢) هو الإمام النسائي ﵀ وليس الحديث في «تفسيره» ولا «فضائل القرآن» له فالظاهر أنه أورده في ترجمه (هارون أبي محمد) من كتابه «الكني» . وهو عمدة الدَّولابي في مواضع كثيرة من كتابه. والله أعلم.
1 / 18
ورواه الخطيب والشجري (١) في «أماليه» (١/١١٨) بإسناد واحد إلى علي بن طيفور النسوي، والشجري من طريق محمد بن غالب التستوري (٢) .
والبيهقي من طريق أبي عبد الله محمد بن الفضل الزاهد، والقضاعي في «مسند الشهاب» (١٠٣٥) من طريق علي بن عبد العزيز (وهو أبو الحسن البغوي الحافظ) قالوا جميعًا: «حدثنا قتيبة بن سعيد به» .
وقال الحافظ أبو محمد الدرامي ﵀ في «سننه» (٢/٤٥٦) . «حدثنا محمد بن سعيد حدثنا حميد بن عبد الرحمن ...» به.
وقال أبو الفتح الأزدي في «الضعفاء»: «حدثنا أبو يعلي الموصلي (٣)، حدثنا عثمان ابن أبي شيبة عن حميد الرؤاسي ...» به. كما في «الميزان» (٤/١٧٢) .
ورواه البيهقي (٢٤٦١) من طريق عباس الأسفاطي (وهو ابن الفضل، صدوق من شيوخ الطبراني) ثنا عثمان بن أبي شيبة به.
_________
(١) إلا أن الشجري رواه عن شيخهما إجازة، وعن الخطيب - تحديثًا - عنه.
(٢) كذا، وينظر هل صواب هذه النسبة: (الستوري)؟ وفي رواية هذا الشيخ: «ومن قرأ يس كتب الله له بقراءته (كذا) قراءة القرآن عشرين مرة» . وقال: «قال كذا في كتابي عشرين مرات (كذا) والباقي سواء إلا أنه قال في آخره: عشرين مرات، كذا كان في كتابي» أهـ. ولم يتبين لي قائل هذا الكلام. والحاصل أن رواية (عشرين مرة) مرجوحة قطعًا في هذا الحديث.
(٣) ولم أره في «مسنده» المطبوع، ولا «معجم شيوخه» . فالله أعلم.
1 / 19
وقال الإمام محمد بن نصر المروزي ﵀ في «قيام الليل»: «حدثنا نصر بن علي قال: وجدت في كتاب عبد الله بن داود (وهو الخريبي) عن حسن بن صالح قال: حدثني هارون أبو محمد ثنا مقاتل بن حيان ...» به مختصرًا. كما في «مختصره» للمقريزي (ص٧٣) .
وقد علق العلامة المباركفوري ﵀ على الجملة الوسطى من كلام الترمذي تعليقًا غريبًا غير مرضي، فقال في «تحفة الأحوذي» (٨/١٩٧):
«لعل مقصود الترمذي بهذا الكلام أن أهل العلم بالحديث بالبصرة لا يعرفون من حديث قتادة عن صحابي إلا من هذا الوجه أي إلا عن أنس لأن قتادة لم يسمع من صاحبي غير أنس (١) (!) . قال الحافظ في تهذيب التهذيب: وقال الحاكم في علوم الحديث: لم يسمع قتادة من صحابي غير أنس. وقال ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل: «أنبأ حرب بن إسماعيل فيما كتب إليّ، قال: قال أحمد بن حنبل: ما أعلم قتادة روى عن أحد من أصحاب النبى ﷺ إلا عن أنس ﵁
_________
(١) قلت: كلا، فقد قال أبو حاتم الرازي ﵀: «ولم يلق قتادة من أصحاب النبي ﷺ إلا أنسًا، وعبد الله بن سرجس» كما في «المراسيل» لابنه (٦٤٠) .
وقال الحافظ العلائى في «جامع التحصيل» (ص٢٢٥): «وصحح أبو زرعة سماعه من عبد الله بن سرجس وزاد ابن المديني: أبا الطفيل» .
قلت: روى شعبة عنه عن أبي الطفيل ﵁ قوله: «لكل مقام مقال» . رواه الخرائطي في «مكارم الأخلاق» كما في «المنتقي منه» (٢٤٠)، وابن عدي في «الكامل» (٥/١٧٤١)، وكذا رواه ابن عساكر (٨/٨٣١) من طريق شعبة وغيره به، وهذا إسناد صحيح جليل.
وإحدى هذه الطرق في «التاريخ الكبير» (٣/٥٩)، لكن إسنادها تالف.
1 / 20
قيل: فابن سرجس؟ وكأنه لم يره سماعًا. انتهى. والله تعالى أعلم» .
قلت: لاشك أن المتبادر إلى الأذهان - لأول وهلة - أن الترمذي ﵀ يريد بقوله: «لا يعرفون» أنهم لا يعرفون هذا الحديث أو هذا المتن، فيكون مقصوده أن البصريين لا يعرفون هذا المتن - من حديث قتادة عن أنس - إلا من هذا الوجه بخصوصه الذي أتى به هارون أبو محمد هذا عن مقاتل بن حيان عنه به. فمقاتل إنما هو نبطي بلخي - كان بمرو وكابل - وليس هو بصريًا وإن رَوَى عن غير واحد من البصريين، وليس هذا الحديث عند مشاهير الثقات من أصحاب قتادة - وأغلبهم من أهل البصرة أو كان بها - كهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة، وشعبة، وهمام، وأيوب، وأبان العطار، وسلام بن أبي مطيع، وشيبان النحوي، وأبي عوانة، وأضرابهم، بل ليس عند الثقات المتكلم في حديثهم عن قتادة خاصة: كحماد بن سلمة، ومعمر، وجرير بن حازم، ويزيد بن إبراهيم التستري. والله أعلم.
وقال أبو محمد بن أبي حاتم ﵀ في «علل الحديث» (١٦٥٢): «سألت أبي عن حديث رواه قتيبة بن سعيد وابن أبي شيبة عن حميد بن عبد الرحمن عن الحسن بن صالح عن هارون أبي محمد عن مقاتل عن قتادة عن أنس عن النبي ﷺ: «إن لكل شيء قلبًا وقلب القرآن يس، ومن قرأ كذا» قال: قال أبي: مقاتل هذا هو مقاتل بن سليمان،
1 / 21
رأيت هذا الحديث في أول كتاب وضعه مقاتل بين سليمان، وهو حديث باطل لا أصل له. قلت لأبي، مقاتل أدرك قتادة؟ قال: وأكبر من قتادة، أبو الزبير» أهـ.
قلت: وسيأتي التعقيب على هذا في محله بإذن الله.
* وقال أبو الفتح الأزدي ﵀ في ترجمة (مقاتل بن حيان) من «ضعفائه»: «سكتوا عنه» . ثم ذكر عن وكيع أنه قال: «ينسب إلى الكذب» (١) . ثم قال: «وقال ابن معين: ضعيف. وكان أحمد بن حنبل لا يعبأ بمقاتل بن حيان ولا بابن سليمان» . ثم قال: «حدثنا أبو يعلي الموصلي ...» فذكر الحديث كما قدمت كما في «الميزان» (٤/١٧٢) .
قال الذهبي: «قلت: الظاهر أنه مقاتل بن سليمان (٢)، وقد جاء توثيق يحيى ابن معين لابن حيان من وجوه عنه. وقال فيه الدارقطني: صالح الحديث. نعم، أما ابن خزيمة فقال: لا أحتج بمقاتل بن حيان ...» .
قلت: وسيأتي ما في استظهاره في محله أيضًا. والله المستعان.
* وقال الإمام أبو بكر بن العربي المالكي ﵀ في «عارضة الأحوذي» (١١/١٧): «حديثها ضعيف (يعني سورة يس) فلم نقبل عليه.
_________
(١) قال الذهبي في «الميزان» - معترضًا ـ: «كذا قال أبو الفتح، وأحسبه التبس عليه مقاتل بن حيان بمقاتل ابن سليمان، فابن حيان صدوق قوي الحديث، والذي كذبه وكيع فابن سليمان» .
(٢) حيث ورد في إسناد أبي الفتح مهملًا، لم ينسب إلى أبيه.
1 / 22
وللناس فيها رواء وآراء وروايات وتأويلات وذلك كله لا أصل له. وقد روى أبو داود: «اقرؤا يس على موتاكم» (١) ولم يصح» أهـ.
* وصدَّر الحديثَ الحافظُ المنذري ﵀ في «الترغيب والترهيب» (٢/٦٣٦) بتحقيق الشيخ هراس) . بصيغة التمريض جازمًا بضعفه. وحكى استغراب الترمذي له، وتمم محققه ﵀ عبارة الترمذي.
* وقال الحافظ الذهبي ﵀ في ترجمة (هارون أبي محمد) من «الميزان» (٤/٢٨٨): «عن مقاتل بن حيان حديث: «قلب القرآن يس» . قال الترمذي: مجهول. قلت: أنا (٢) أتهمه بما رواه القضاعي في شهابه ...» فذكره بإسناده إليه، وسيأتي ما بينه وبين إسناد «الشهاب» المطبوع من التفاوت في حينه.
* وأورده الحافظ ابن كثير ﵀ في أول تفسير (سورة يس) من «تفسيره» (٣/٥٦٢ - ٥٦٣)، وحكى كلام الترمذي بغير تعقيب.
* وكذا الحافظ ابن حجر ﵀ في «الكافي الشاف» (ص١٤٠) مختصرًا.
* وحكى الحافظ المناوي ﵀ في «الفتح السماوي» (٣/٩٥١-٩٥٢) ما قاله ابن حجر عن الولي العراقي ﵀ حاشا تجهيل هارون،
_________
(١) ستأتي الخلاصة في هذا الحديث عند إيراد حديث معقل بن يسار ﵁.
(٢) وهذا التصرف لم أعرف سببه، فالحديث نفسه في «جامع الترمذي» وبجهالة هارون أعله، فلماذا العزو لشهاب القضاعي؟ ولو قال: «أنا اتهمه بما رواه هو والقضاعي في شهابه ...» الخ، لكان ذلك أشبه.
1 / 23
فجعله من كلام الحافظ ﵀ نفسه، وليس كذلك، بل هو من نقله عن الترمذي. ولذلك تعقبه محقق «الفتح» .
* وقال الشيخ العلامة الألباني - حفظه الله - في «السلسلة الضعيفة» (١٦٩): «موضوع» .
وعزاه للترمذي والدرامي وحدهما. وحكى كلام الترمذي بزيادة: «حسن» .
وقال: «قلت: كذا في نسختنا من الترمذي: «حسن غريب» ونقل المنذري في «الترغيب» (٢/٢٢) والحافظ ابن كثير في «تفسيره» (٣/٥٦٣) والحافظ في «التهذيب» أنه قال: «حديث غريب» ليس في نقلهم عنه أنه حسنه ولعله الصواب فإن الحديث ضعيف ظاهر الضعف بل هو موضوع من أجل هارون، فقد قال الحافظ الذهبي في ترجمته بعد أن نقل عن الترمذي تجهيله إياه: «قلت: أنا أتهمه بما رواه القضاعي في «شهابه» . ثم ساق له هذا الحديث. وفي «العلل» (٢/٥٥ - ٥٦) لابن أبي حاتم: «سألت أبي عن هذا الحديث» (فذكره باختصار آخره) . قال: «قلت: كذا جزم أبو حاتم - وهو الإمام الحجة - أن مقاتلًا المذكور في الإسناد هو ابن سليمان مع أنه وقع عند الترمذي والدارمي «مقاتل بن حيان» كما رأيت، فعله خطأ من بعض الرواة. ويؤيده أن الحديث رواه القضاعي كما سبق وكذا أبو الفتح الأزدي من طريق حميد الرؤاسي بسنده المتقدم عن مقاتل عن قتادة به. كذا قال: «عن مقاتل» لم ينسبه فظن بعض الرواه أنه ابن حيان فنسبه إليه. من
1 / 24
هؤلاء الأزدي نفسه فإنه ذكر عن وكيع أنه قال في مقاتل بن حيان: «يُنسب إلى الكذب» قال الذهبي: كذا قال أبو الفتح ...» . فذكره بنحو ما تقدم عن «الميزان» .
قال: «قلت: وإذا ثبت أنه ابن سليمان كما استظهره الذهبي وجزم به أبو حاتم فالحديث موضوع قطعًا لأنه - أعني ابن سليمان - كذاب كما قال وكيع وغيره. ثم اعلم أن حديث أبي بكر الذي أشار إليه الترمذي وضعه لم أقف على متنه، وأما حديث أبي هريرة قال الحافظ ابن كثير: «منظور فيه» ثم قال: قال أبو بكر البزار: حدثنا عبد الرحمن بن الفضل حدثنا زيد بن الحباب حدثنا حميد المكي مولى آل علقمة عن عطاء بن أبي رباح مرفوعًا به دون قوله: «من قرأها ...» ثم قال البزار: «لا نعلم رواه إلا زيد عن حميد» .
قلت: وحميد (١) هذا مجهول كما قال الحافظ في «التقريب» وعبد الرحمن بن الفضل شيخ البزار لم أعرفه (٢) أهـ.
_________
(١) سيأتي كلام النقاد تفصيليًا في حميد هذا، والأحاديث التي استنكرت عليه عند حديث أبي هريرة بإذن الله.
(٢) ومن المصادفات الطريفة أن الحافظ الهيثمي ﵀ أيضًا قال في «المجمع» (٩/٧٠) - عند حديث في فضل عمر ـ: «وإسناده حسن إلا أن عبد الرحمن بن الفضل بن موفق لم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا» . دلني عليه محقق «مجمع البحرين» حفظه الله.
لكنه بينما حكى توثيق ابن حبان عند الحديث (٢٨٣٦) منه، قال عنه (٣٦٥٩): «لا بأس به تقدم حديث ٢٨٣٦»، ولم يبين سبب إعطائه هذا التقويم. وقد استبان لي - من تعليق آخر له - أن كل من يتفرد ابن حبان بتوثيقه، فهو لا بأس به عنده!
1 / 25