وسيعاد تعريف الأدب على ألف صورة: مسألة اجتماعية تارة ومسألة اقتصادية تارة ومسألة حركية أو سكونية تارة أو تارات. ولكنه لن يمتنع بذلك عن موضوع ولن ينقطع لموضوع، ولن يكون أدبا ما لم يكن له نصيب من شعور الإنسان، وبهذه المثابة يحدثنا عن القطب الشمالي فيحدثنا عن قريب، ويروي لنا خبر البطولة فيروي لنا خبرا يهز نفس الفقير والغني، والصغير والكبير، ويذكر لنا الزهرية فلا يقول له قائل حي: دعها واذكر قدرة الفول المدمس، ما دام إنسانا يرجع إلى الطبيعة إن لم يرجع إلى نفسه، فيلمس منبت الفول وزهرته من تربة الحياة.
الوجودية
إن الوجودية في أساسها مذهب محترم مقبول أو مذاهب محترمة مقبولة لا يستدعيها قيام المذاهب الهدامة التي تلغي وجود الفرد واستقلاله في غمار الجماعات التي ينتمي إليها. وإنما قامت الوجودية كأنها رد فعل لتلك المذاهب يحفظ للفرد كيانه واستقلاله ويعرفه بحقوقه وواجباته بين قومه وبين إخوته من بني الإنسان في جميع الأمم وجميع الحقب، ولكن هذه الوجودية قد تنحدر مع المنحدرين بطبائعهم حتى تصبح ضربا من العدمية أو ضربا من الإباحية التي لا تعترف بشيء غير شهوات الفرد ودوافع الأثرة والأنانية.
ومن الوجودية التي تستحق اسم العدمية تلك العقائد التي تنكر معنى الوجود وتقطع الوشائج العميقة بين وجود الإنسان ووجود هذه الأكوان في آزالها وآبادها التي لا حقيقة وراءها ولا معنى لكلمة العبث إن نسبت إليها.
وهذه العدمية هي التي يسخر منها فيلسوف العصر برتراند رسل في كتابه عن الكوابيس فيضع على لسانها هذا النشيد باللغة الفرنسية:
في صحراء شاسعة الأطراف
فراغ واسع من الرمال
ذهبت فيه أبحث وأنقب
ذهبت أبحث عن الطريق المفقود
الطريق الذي أبحث عنه ولا أصل إليه
Unknown page