أما كتاب «مذهب الذرات الروحية» أو المونادولوجيا، فقد كان في الأصل مقالا قصيرا عرض فيه ليبنتس فلسفته في ملحق لرسالة بعث بها إلى أحد مراسليه الفرنسيين المتحمسين، واسمه «ريمون»
Rémond
ولقد أشار بعض شراح ليبنتس إلى هذه الحقيقة، ولاحظوا عن حق ما فيها من غرابة؛ إذ إن هذا الكتاب الرئيسي الذي يتضمن مذهبا ميتافيزيقيا طموحا، لم يكن إلا تعبيرا عارضا قدمه ليبنتس إلى أحد مراسيله، ولم يكن يقصد منه أن ينشر، وإنما كان مذكرة ملخصة تركها ليبنتس بين أوراقه الشخصية فحسب.
على أن أهمية هذا الكتاب - رغم ضآلة حجمه - إنما ترجع إلى أنه من أواخر مؤلفات ليبنتس الفلسفية، فقد ألفه قبل وفاته بعامين، في وقت كان قد اهتدى فيه إلى ذاته، وتكشفت له فيه الجوانب المتعددة التي تميزت بها عبقريته، فهو تعبير واضح عن فلسفته في أخصب فتراتها، وهو يمثل إلى جانب كتاب «مبادئ الطبيعة واللطف الإلهي»
principes de la nature et de la grâce
الذي ألفه في الفترة ذاتها، أعلى قمم التفكير الميتافيزيقي عنده، ورغم أن ليبنتس قد أعد الكتاب الأخير بنفسه للنشر، فإنه ترك الأول في صورة غير مكتملة تماما، مات قبل أن يضع اللمسات الأخيرة فيه. ولكنه مع ذلك ما زال أفضل مدخل إلى فهم فلسفة ليبنتس في صورتها الكاملة.
ويجدر بنا في هذا المقام أن نشير إلى أن ليبنتس نفسه لم يكن هو الذي اختار لكتابه هذا اسمه الذي اشتهر به، وهو «المونادولوجيا»، فليس هذا هو العنوان الذي يصدر الكتاب في مخطوطاته الأصلية الباقية في هانوفر وفيينا، وإنما كان يحمل اسم «مبادئ الفلسفة»
de la Philosphie ، وظل هذا هو الاسم السائد طوال قرن من الزمان. ولكن كوهلر
Koehler - الذي أعد طبعة من أوائل الطبعات الهامة لمؤلفات ليبنتس - وجد أن فكرة الذرة الروحية
Monad
Unknown page