للحسن : يا أبا سعيد إنما تحدث بالحديث أنت أحسن له سياقا ، وأجود تحبيرا ، وأفصح به لسانا منه إذا حدثنا به ! فقال ، إذا أصبت المعنى فلا بأس بذلك . وقد قال النضر بن شميل : " كان هشيم لحانا فكسوت لكم حديثه كسوة حسنة - يعنى بالاعراب - وكان النضر بن شميل نحويا وكان سفيان يقول : " إذا رأيت الرجل يشدد في ألفاظ الحديث في المجلس فاعلم أنه يقول : اعرفوني ! وجعل رجل يسأل يحيى بن سعيد القطان عن حرف في الحديث على لفظه فقال له يحيى : يا هذا ، ليس في الدنيا أجل من كتاب الله تعالى - قد رخص للقراءة فيه بالكلمة على سبعة أحرف ، فلا تشدد " (1) وروى البيهقى عن مكحول قال دخلت أنا وأبو الازهر على واثلة بن الاسقع فقلنا له : حدثنا بحديث سمعته من رسول الله ليس فيه وهم ولا تزيد ولا نسيان ! فقال : هل قرأ أحد منكم من القرآن شيئا ؟ فقلنا : نعم وما نحن له بحافظين جدا ، إنا نزيد الواو والالف وننقص ، فقال : هذا القرآن مكتوب بين أظهركم لا تألونه حفظا ، وإنكم تزعمون أنكم تزيدون وتنقصون فكيف بأحاديث سمعناها من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عسى ألا يكون سمعنا لها منه إلا مرة واحدة ؟ حسبكم إذا حدثناكم بالحديث على المعنى . وكان ابن أبى ليلى يروى الشئ مرة هكذا ومرة هكذا بغير إسناد - وإنما جاء هذا من جهة حفظه ، لان أكثر من مضى من أهل العلم كانوا لا يكتبون ، ومن كتب منهم فإنما كان يكتب لهم بعد السماع ، وكان كثير منهم يروى بالمعنى فكثيرا ما يعبر عنه بلفظ من عنده فيأتى قاصرا عن أداء المعنى بتمامه ، وكثيرا ما يكون أدنى تغيير محيلا له وموجبا لوقوع الاشكال فيه - وقد أجاز الجمهور الرواية بالمعنى (2) . وفى سنن الترمذي - عن مكحول عن واثلة بن الاسقع قال : إذا حدتناكم على المعنى فحسبكم ، ورواية الذهبي في سير أعلام النبلاء : إذا حدثتكم بالحديث
---
(1) كانت العرب لا ترى بأسا من تغيير كلمة بكلمة ، وقد روى عن ذى الرمة أنه قال لقيس ابن عمر : اكتب شعرى ، فالكتاب أحب إلى من الحفظ ، لان العربي ينسى الكلمة قد سهر في طلبها ليلة فيضع في موضعها كلمة في وزنها ثم ينشدها الناس (ص 180 و181 من كتاب نقض الشعر الجاهلي) للشيخ الخضر حسين . (2) ص 76 توجيه النظر . (*)
--- [ 82 ]
Page 81