في هذه اللحظة خطرت ليوسف حادثته في البنك الأميركاني، وقال: صدقت صدقت، ولكن أنى لي تغيير مبادئي وقد غرست في نفسي؟! - إني أنذرك بويلات متتابعة، فأنت محتاج إلى اختباري، فتعلم مني دروسا.
عند ذلك كشف جورجي ساعته، فقال له يوسف: أظنني شغلتك عن شغل. - إني أنتظر جميل مرمور هذا؛ لأنه وعدني أن يأتيني إلى هنا لشغل بيننا. - أظنه شغل سمسرة. - لا، لا أظن، بل قال لي: إنه سيباحثني بمشروع خطير لي منه فائدة كبرى؛ ولهذا أنتظره هنا، صه، ها هو.
فلما دخل جميل نهض يوسف وودع جورجي وخرج.
الاتفاق على مكيدة
قال جميل لجورجي: هيا بنا إلى السفنكس بار يا جورجي. - تبت عن الشرب. - أظنها توبة إفلاس فهلم؛ فإن معي من الأصفر الرنان ما يسكر عشرين. - كلا، لو شئت أشرب لأسكرت ألفا، فدعنا هنا وهات ما عندك. - لا أعرف أن أتكلم إلا شاربا فهلم. - قلت لك: لا أذهب، هل تريد أن تلقي علي خطابا ولا تستطيع أن تجود بالخطابة إلا شاربا؟
فضحك جميل وقال: إن الموضوع الذي سأكلمك به يليق به الشرب. - هات قل فإني أفهم صاحيا أكثر مني سكرانا.
فسكت جميل هنيهة، ثم قال: هل تريد أن تملأ جيبك من الأصفر الرنان بأضحوكة؟ - ليس غريبا في هذا البلد أن تجني الأضاحيك أموالا، فما هي أضحوكتك؟ - تمثيل دور صغير في مرسح صغير وعلى حضور قلائل. - ما هو هذا الدور؟ - هو أن تلبس ثوب كاهن وتكلل زوجين.
فأحجم جورجي قائلا: إنك تنصب لي فخا. - لا والله، بل أريد أن أكسبك مائة جنيه، فما قولك أن تكسبها وأنت تقف وقفة كاهن نحو ربع ساعة؟ - لا والله، لا أقف وقفة كهذه ولو دفعت لي ألفي جنيه. - إنك مجنون. - لماذا لا تمثل هذا الدور أنت؟ - لأني بلا لحية وتعرفني العروس. - إذن الدهاء على أهل العروس. - بل على العروس وحدها. - وأهلها؟ - ليس لها في الدنيا إلا أم، وأمها تريد ذلك. - ولكن لماذا هذا الزواج المزور؟ - لأن العريس لا يريد زواجا، والعروس لا تريد إلا زواجا. - أظن العريس فهيم بك. - نعم.
فضحك جورجي قائلا: ألم تكفه الخليلات الثلاث؟ - لو عرف الرابعة قبلهن لاكتفى بها؛ لأنها آية في الجمال ولم تزل صغيرة. - وأمها تريد أن تجعلها رابعة الخليلات؟ - نعم؛ لأنها ربتها لهذا الغرض وقد صادفت الرفيق الثمين. - تبا لها من أم! - ما نحن هنا في موقف وعظ يا جورجي، بل في موقف شغل، وقد وددت أن أخدمك هذه الخدمة. - أن تغريني على ارتكاب جناية؟ - جناية صغيرة ولكنها لا تظهر، والأجرة وافرة. - هل تعد المائة جنيه أجرة وافرة؟ هب أني حوكمت. - إن حوكمت تحبس شهرا، أفلا تحبس شهرا بمائة جنيه؟ - قد أحبس عاما؛ ولهذا لا أقبل أقل من ألفي جنيه.
وبعد جدال طويل تم الاتفاق بينهما على ألف جنيه، ثم قال جورجي: متى أكون كاهنا؟ - بعد غد الساعة العاشرة مساء في منزل العباسية، بيد أننا نلتقي هنا نحو الساعة التاسعة، فأصطحبك إلى المنزل حيث تجد كل شيء مدبرا. - والدفع؟ - نقدا بين لبس بدلة الكهنوت والإكليل. - إذن إلى الملتقى. - بقي أمر جوهري جدا يا جورجي. - ما هو؟ - يجب أن تتلقن بعض الصلوات بالعربية؛ لكي تفهم العروس الصلاة، ولا يخالجها ريب بصحة الإكليل كما لو كانت الصلاة كلها باليونانية فقط.
Unknown page