الْمُسلمين ثمَّ ترغيبهم بِمَا وعد الله بِهِ وإخبارهم بِمَا يسْتَحقّهُ من فعل كفعلهم من الْجَزَاء وَالْأَجْر ثمَّ يَجْعَل لَهُم من الْقدْوَة بأفعاله مثل مَا يَجعله لَهُم من الْقدْوَة بأقواله أَو زِيَادَة فَإِن النُّفُوس إِلَى الِاقْتِدَاء بالفعال أسْرع مِنْهَا إِلَى الِاقْتِدَاء بالقوال
والعقبة الكؤود وَالطَّرِيق المستوعرة والخطب الْجَلِيل والعبء الثقيل إرشاد طبقَة متوسطة بَين طبقَة الْعَامَّة والخاصة وهم قوم قلدوا الرِّجَال وتلقوا علم الرَّأْي ومارسوه حَتَّى ظنُّوا أَنهم بذلك قد فارقوا طبقَة الْعَامَّة وتميزوا عَنْهُم وهم لم يتميزوا فِي الْحَقِيقَة عَنْهُم وَلَا فارقوهم إِلَّا بِكَوْن جهل الْعَامَّة بسيطا وَجَهل هَؤُلَاءِ جهلا مركبا وَأَشد هَؤُلَاءِ تغييرا لفطرته وتكديرا لخلقته أَكْثَرهم ممارسة لعلم الرَّأْي وأثبتهم تمسكا بالتقليد وأعظمهم حرصا عَلَيْهِ فَإِن الدَّوَاء قد ينجع فِي أحد هَؤُلَاءِ فِي أَوَائِل أمره وَأما بعد طول العكوف على ذَلِك الشغف بِهِ والتحفظ لَهُ فَمَا أبعد التَّأْثِير وَمَا أصعب الْقبُول لِأَن طبائعهم مَا زَالَت تزداد كَثَافَة بازدياد تَحْصِيل ذَلِك وتستفيد غلظة وفظاظة باستفادة ذَلِك وبمقدار ولوعهم بِمَا هم فِيهِ وشغفهم بِهِ تكون عدواتهم للحق ولعم الْأَدِلَّة وللقائمين بِالْحجَّةِ
وَلَقَد شاهدنا من هَذِه الطَّبَقَة مالوا سردنا بعضه لاستعظمه سامعه واستفظعه فَإِن غالبهم لَا يتَصَوَّر بعد تمرنه فِيمَا هُوَ فِيهِ إِلَّا منصبا يثبت عَلَيْهِ أَو يَتِيما يُشَارِكهُ فِي مَاله أَو أرملة يخادعها عَن ملكهَا أَو فرْصَة ينتهزها عِنْد ملك أَو قَاض فَيبلغ بهَا إِلَى شَيْء من حطام الدُّنْيَا
وَلَا يبْقى فِي طبائع هَؤُلَاءِ شَيْء من نور الْعلم وَهدى أَهله وأخلاقهم بل هم أشبه شَيْء بالجبابرة وَأهل الْمُبَاشرَة للمظالم وَمَعَ هَذَا فهم أَشد خلق الله تعصبا وتعنتا وبعدا من الْحق ورجوعهم إِلَى الْحق من أبعد الْأُمُور وأصعبها لِأَنَّهُ لم يبْق فِي أفهامهم فضلَة لتعقل ذَلِك وتدبره بل قد صَار بَعْضهَا مُسْتَغْرقا بِالرَّأْيِ وَبَعضهَا مُسْتَغْرقا بالدنيا
فَإِن قلت فَهَل بقى مطمع فِي أهل هَذِه الطَّبَقَة وَكَيف الْوُصُول إِلَى
1 / 68