12 -
أخبرنا أبو بكر , وثنا ابن أبي داود , ثنا هارون بن إسحاق الهمداني , ثنا وكيع , عن سفيان , عن منصور , عن بعض , أصحابه , عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قول الله جل وعز : {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا} [التحريم: 6] قال: «علموهم , أدبوهم»
[ص: 262]
قال أبو بكر: ألا ترون رحمكم الله إلى مولاكم الكريم , يحثكم على تأديب نفوسكم وأهليكم؟ , فاعقلوا رحمكم الله عن الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا} [التحريم: 6] قال: «علموهم , أدبوهم» قال أبو بكر: ألا ترون رحمكم الله إلى مولاكم الكريم , يحثكم على تأديب نفوسكم وأهليكم؟ , فاعقلوا رحمكم الله عن الله عز وجل , وألزموا أنفسكم علم ذلك. ثم اعلموا رحمكم الله أنه يلزمكم علم حالين لا بد منهما: علم معرفة النفس , وقبح ما تدعوكم إليه , مما تهواه وتلذه , مضمرة لذلك , وقائلة وفاعلة , فواجب عليكم أن تزجروها عنه , حتى لا تبلغوها ذلك. والحال الثاني: علم كيف السياسة لها؟ , وكيف تراض؟ , وكيف تؤدب؟ , فهذان الحالان لا بد لكل مسلم عاقل أن يطلب علمه حتى يعرف نفسه , ويعرف كيف يؤدبها. قلت: فأما معرفة النفس , وقبيح ما تدعو إليه , فقد تقدم ذكري له , وأنا أزيدك في فضحتها: هي جامعة لكل بلاء. وخزانة إبليس , وإليها يأوي , ويطمئن.
[ص: 263]
تظهر لك الزهد وهي راغبة. وتظهر لك الخوف , وهي آمنة. تفرح بحسن ثناء من جهلها بباطل , فتحمده , وتدينه. ويثقل عليها الصدق من ذمها بحق , نصحا منه لها , فتبغضه وتقصيه. وأنا أمثل لك مثالا لا يخفى عليك أمرها إن شاء الله: اعلم أن النفس مثلها كمثل المهر الحسن من الخيل , إذا نظر إليه الناظر أعجبه حسنه وبهاؤه , فيقول أهل البصيرة به: لا ينتفع بهذا حتى يراض رياضة حسنة , ويؤدب أدبا حسنا , فحينئذ ينتفع به , فيصلح للطلب والهرب , ويحمد راكبه عواقب تأديبه ورياضته. فإن لم يؤدب لم ينتفع بحسنه ولا ببهائه , ولا يحمد راكبه عواقبه عند الحاجة. فإن قيل صاحب هذا المهر قول أهل النصيحة والبصيرة به , علم أن هذا قول صحيح فدفعه إلى رائض فراضه. ثم لا يصلح أن يكون الرائض إلا عالما بالرياضة , معه صبر على ما معه من علم الرياضة , فإن كان معه بالرياضة ونصحه انتفع به صاحبه , فإن كان الرائض لا معرفة معه بالرياضة , ولا علم بأدب الخيل , أفسد هذا المهر وأتعب نفسه , ولم يحمد راكبه عواقبه , وإن كان الرائض معه معرفة الرياضة والأدب للخيل إلا أنه مع معرفته لم يصبر على مشقة الرياضة , وأحب الترفيه لنفسه , وتوانى عما وجب عليه , من النصيحة في الرياضة , أفسد هذا المهر , وأساء إليه , ولم يصلح للطلب , ولا للهرب , وكان له منظر بلا مخبر , فإن كان مالكه هو الرائض له , ندم على توانيه يوم لا ينفعه الندم , حين نظر إلى
[ص: 264]
غيره في وقت الطلب , قد طلب فأدرك , وفي وقت الهرب قد هرب فسلم , وطلب فهو لم يدرك , وهرب فلم يسلم , كل ذلك بتوانيه , وقلة صبره بعد معرفته منه , ثم أقبل على نفسه يلومها ويبخها , فيقول: لم فرطت؟ لم قصرت؟ , لقد عاد علي من قلة صبرى كل ما أكره. والله المستعان. اعقلوا رحمكم الله علم هذا المثل , وتفقهوا به , تفلحوا وتنجحوا , وقد قلت في هذا المثل أبياتا تشبه هذا المثل:
[البحر المتقارب]
أرى النفس تهوى ما تريد ... وفي متابعتي لها عطب شديد
تقول وقد ألحت في هواها ... مرادي كل ما أهوى أريد
فأمنحها نصحي لكي تنزجر ... فتأبى وربي على ذي شهيد
فإن أنا تابعتها ندمت ... وخفت العقوبة يوم الوعيد
فإن كنت للنفس يا ذا محبا ... فقيد , ولو بقيد الحديد
ورضها رياضة مهر يراض ... بالسوط , والسوط سوط حديد
يمنعه الرائض ما يشتهي ... يريد بالمنع صلاحا وفهما يريد
يحمده الراكب يوم اللقى ... والخيل في الحرب وجهد جهيد
قال أبو بكر: وقد روي في معنى ما قلت من هذه الأمثال , وآثارا تدل على ما قلت , فأنا ذاكرها؛ ليعتبرها من تدبرها
Unknown page