كان الأديب القديم يكتب ويؤلف كي يزيد استمتاع القارئ ولذته، ولكن الأديب العصري يكتب ويؤلف كي يزيد الفهم للحياة، ويزيد التوسع الذهني، ويزيد الوجدان، كأننا نزداد وجودا بقراءته.
كان الأديب مهرجا، أو يقارب المهرج، يضحك ويسلي.
ولكن الأديب العصري كاهن، يكتب بإلهام ليعين القيم ويهدف إلى المستقبل ويحس أن له رسالة.
وبالطبع هناك استثناءات، فإن المعري والجاحظ وابن حزم وأمثالهم لم يهرجوا، وأنا أسميهم لذلك قدماء معاصرين.
وإذا شئت أيها القارئ أن تنقد، وتعرف القيمة والوزن لأحد الأدباء في مصر أو أقطار الشرق العربي، فاسأل هذا السؤال:
ما هي الرسالة الاجتماعية أو الإنسانية التي يدعونا إليها هذا المؤلف؟ وهل هو يزيد استمتاعنا ولذتنا (فهو إذن قديم) أم هل يزيد فهمنا للحياة، ويطالبنا بكفاح من أجل الخير والشرف والمساواة والعدالة الاجتماعية؟ وبكلمة أخرى: ما هي دلالته؟ هذا محك ... هذا امتحان! •••
ومحك آخر، أو امتحان آخر، أن تسأل: ما هي القيمة التمدينية في هذا الكاتب؟
هل هو يزيد إحساسنا الإنساني، بحيث نتعلم منه ونتربى من مؤلفاته، فنكبر من شأن الإنسان، وننكر التعصب اللوني والتعصب المذهبي والتعصب الديني، ونحترم الإنسان لأنه إنسان قبل كل شيء.
أيها القارئ، من هو المؤلف المصري أو العربي الذي زاد إحساس الإنسانية عندك وحملك بمؤلفاته على أن تأخذ بالأسلوب المتمدن في سلوكك وأخلاقك؟
إن الكاتب العظيم هو الذي يغيرنا، بحيث نحس عقب قراءة كتابه أننا لم نعد كما كنا قبل قراءته، وأننا تغيرنا إلى أعلى.
Unknown page