وهل أنسى فضل هذا العظيم «إخناتون» وبيني وبينه أكثر من ثلاثة آلاف سنة، حين دعا إلى السلم الذي ما زلنا ننشده إلى الآن؟! وأية دعوة أحم إلى القلب، وألصق بالذهن، وأسمى في الشرف، من دعوته، في عالمنا الحاضر الذي يقف على شفا البركان؟
وهل أنسى هذا الإمام العظيم «ابن حزم» حين يدعو إلى الحب ويجعله أساسا للسعادة، ويحض الناس على أن يحبوا، وينص على أننا لا نستطيع أن نحب غير امرأة واحدة، وأن ينشدوا العفة والشرف مع من يحبون؟ وبيني وبين ابن حزم ألف سنة.
وهل أنسى هذا العظيم الآخر «ابن رشد» وبيني وبينه أيضا ألف سنة، حين يعزو تخلف الشعوب إلى أن المرأة قد ضرب عليها في البيت فلا تخرج ولا تختلط بالمجتمع، لا تشتغل بشئون الرجال ولا ترتزق بكدها ولا تملأ وظائف الدولة؟
هؤلاء وعشرات، بل مئات غيرهم، هم القدماء المعاصرون الذين يعيشون في عصرنا ويتحدثون إلينا حديث الضمير والعقل والشرف، ويحاولون تنبيهنا إلى القيم الإنسانية التي نسيناها أو كدنا.
لا، ليست العبرة في الأدب أو الفن بالقديم أو الجديد، وإنما العبرة بقيمة هذا الفنان أو الأديب، قيمته الإنسانية أو الاجتماعية التي يحم إلينا ونحم إليه بها، فنتبادل وإياه الفكرة في حنان وانشغال إنسانيين.
وكذلك ليست العبرة في الأدب أن يكون سهلا أو صعبا؛ لأن الكاتب الفذ هو الذي يجمع بين اليسر والعمق.
قولوا لنا: هل مؤلفات تولستوي صعبة أم سهلة؟ وهل هي بليغة أم مبتذلة؟ ثم ماذا كان يقول تولستوي لو أننا ترجمنا له كتابا مما يسمى في مصر «كتب البلاغة» وقلنا له ونحن نهديه إليه: تعلم هذه القواعد حتى تجيد الكتابة البليغة والتأليف المجدي؟
ألا ترون أيها الناس أنكم في أدب ملوكي وبلاغة ملوكية، وأن الشعب يطلب بلاغة شعبية ديمقراطية؟
يجب أن يموت هذا الأدب الملوكي، أدب المجاز والاستعارة والتورية والبهارج والمحسنات، هذا الأدب الذي ينأى عن إحساس العصر ووجدان الشعب، ويخلو من الأهداف الإنسانية، ويجب أن يكون للأدب دستور جديد، بحيث يحترم الشعب، الشعب أولا، والشعب أخيرا، والإنسانية في كل زمان ومكان.
الأدب الملوكي والأدب الشعبي أيضا
Unknown page