تناولا، ولا يعرف من الحلال والحرام مفصلا ولا مجملا، ما لم يسعني معه إلا التنبيه على مكرهم، والقول بالمعروف في نكرهم، لقول الله تعالى وتبارك: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) مع أن الخطة لم تزل عظيما شأنها، رفيعا مكانها، وسيطة بين خطة القضاء والمظالم تجاذبهما في وجوه وتشاركهما، وتماثلهما في أمور وتشابكهما، فتجمع بين نظر شرعي وزجر سلطاني موقوفة على هيئة متقلدها وتنفيذ الحقوق للمعترف بها، وكان خلفاء الصدر الأول يباشرونها بأنفسهم لعموم مصلحتها وعظيم ثواب الله عليها إلى أن قصر في بعض الأزمان بواجبها، وتعين من ليس من أهلها للاشتغال بها، فلان أمرها، وهان خطبها وقدرها، وصارت سببا لتكسب المال لا لتفريق بين الحلال والحرام على أن مذهب العلماء أن القاعدة إذا نالها خلل لم يبطل حكمها، ولا زال وإن عفا رسمها.
وقد ولي أحد أصحاب الشافعي الحسبة ببغداد فنزل الجامع والقاضي جالس للحكم فيه فقال له: أما علمت أن الله ﷿ يقول: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر) وإنه لتدخل المرأة إليك ومعها الطفل فيبول على الحصير والرجل يطأ الحصر وقد مشي غير متنعل في المواضع القذرة ودارك بك أولى، فلم يجلس بعدها في الجامع للحكم على أن مالكا يقول: القضاء في المسجد من الأمر القديم، ويروى أن يجلس القاضي في المسجد أو رحابة، وقد اتخذ سحنون من أصحابه بيتا في المسجد يقضي فيه، وفي بعض الآثار أن رسول الله ﷺ كان يقضى في المسجد، ووجه عمر ﵁ إلى العراق ليحرقوا دار ابن موسى الأشعري ﵁، وقال: اضرمها عليه نارا، لما بلغه أنه كان يقضي فيها وتكلم الناس
1 / 2