Adab Dunya Wa Din

al-Mawardi d. 450 AH
34

Adab Dunya Wa Din

أدب الدنيا والدين

Publisher

دار مكتبة الحياة

Edition Number

الأولى

Publication Year

1407 AH

Publisher Location

بيروت

Genres

Sufism
فَلَا تَعْذِرَانِي فِي الْإِسَاءَةِ إنَّهُ ... شِرَارُ الرِّجَالِ مَنْ يُسِيءُ فَيُعْذَرُ وَلَا يُسَوِّفُ نَفْسَهُ بِالْمَوَاعِيدِ الْكَاذِبَةِ وَيُمَنِّيهَا بِانْقِطَاعِ الْأَشْغَالِ الْمُتَّصِلَةِ، فَإِنَّ لِكُلِّ وَقْتٍ شُغْلًا وَلِكُلِّ زَمَانٍ عُذْرًا. وَقَالَ الشَّاعِرُ: نَرُوحُ وَنَغْدُو لِحَاجَاتِنَا ... وَحَاجَةُ مَنْ عَاشَ لَا تَنْقَضِي تَمُوتُ مَعَ الْمَرْءِ حَاجَاتُهُ ... وَتَبْقَى لَهُ حَاجَةٌ مَا بَقِيَ وَيَقْصِدُ طَلَبَ الْعِلْمِ وَاثِقًا بِتَيْسِيرِ اللَّهِ قَاصِدًا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى بِنِيَّةٍ خَالِصَةٍ وَعَزِيمَةٍ صَادِقَةٍ. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا لِغَيْرِ اللَّهِ وَأَرَادَ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» . وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، وَرَفْعُهُ ذَهَابُ أَهْلِهِ. فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَتَى يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَوْ مَتَى يَحْتَاجُ إلَى مَا عِنْدَهُ» . وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَطْلُبَهُ لِمِرَاءٍ أَوْ رِيَاءٍ فَإِنَّ الْمُمَارِيَ بِهِ مَهْجُورٌ لَا يَنْتَفِعُ، وَالْمُرَائِيَ بِهِ مَحْقُورٌ لَا يَرْتَفِعُ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، وَلَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُجَادِلُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَالنَّارُ مَثْوَاهُ» . وَلَيْسَ الْمُمَارِي بِهِ هُوَ الْمُنَاظِرُ فِيهِ طَلَبًا لِلصَّوَابِ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ الْقَاصِدُ لِدَفْعِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ فَاسِدٍ أَوْ صَحِيحٍ. وَفِيهِمْ جَاءَتْ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يُجَادِلُ إلَّا مُنَافِقٌ أَوْ مُرْتَابٌ» . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ شَرًّا أَعْطَاهُمْ الْجَدَلَ، وَمَنَعَهُمْ الْعَمَلَ. وَأَنْشَدَ الرِّيَاشِيُّ لِمُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أُجَادِلُ كُلَّ مُعْتَرِضٍ ظَنِينِ ... وَأَجْعَلُ دِينَهُ غَرَضًا لِدِينِي وَأَتْرُكُ مَا عَمِلْتُ لِرَأْيِ غَيْرِي ... وَلَيْسَ الرَّأْيُ كَالْعِلْمِ الْيَقِينِ وَمَا أَنَا وَالْخُصُومَةُ وَهِيَ شَيْءٌ ... يُصْرَفُ فِي الشِّمَالِ وَفِي الْيَمِينِ فَأَمَّا مَا عَلِمْت فَقَدْ كَفَانِي ... وَأَمَّا مَا جَهِلْت فَجَنِّبُونِي وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: لَا يَمْنَعَنَّكَ حَذَرُ الْمِرَاءِ مِنْ حُسْنِ الْمُنَاظَرَةِ، فَإِنَّ الْمُمَارِيَ هُوَ الَّذِي لَا يُرِيدُ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْهُ أَحَدٌ وَلَا يَرْجُو

1 / 47