Adab al-dunyā waʾl-dīn
أدب الدنيا والدين
Publisher
دار مكتبة الحياة
Edition Number
الأولى
Publication Year
1407 AH
Publisher Location
بيروت
Genres
Sufism
نَفْسَك فَإِنْ اتَّعَظَتْ فَعِظْ النَّاسَ وَإِلَّا فَاسْتَحْيِ مِنِّي.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كُنَاسَةَ:
مَا مَنْ رَوَى أَدَبًا فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ ... وَيَكُفَّ عَنْ زَيْغِ الْهَوَى بِأَدِيبِ
حَتَّى يَكُونَ بِمَا تَعَلَّمَ عَامِلًا ... مِنْ صَالِحٍ فَيَكُونَ غَيْرَ مَعِيبِ
وَلَقَلَّمَا تُغْنِي إصَابَةُ قَائِلٍ ... أَفْعَالُهُ أَفْعَالُ غَيْرِ مُصِيبِ
وَقَالَ آخَرُ:
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ ... هَلَّا لِنَفْسِك كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَى ... كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ
ابْدَأْ بِنَفْسِك فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا ... فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ تُعْذَرُ إنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى ... بِالْقَوْلِ مِنْك وَيُقْبَلُ التَّعْلِيمُ
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ ... عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ
حَكَى أَبُو فَرْوَةَ أَنَّ طَارِقًا صَاحِبَ شُرْطَةِ خَالِدٍ الْقَسْرِيِّ مَرَّ بِابْنِ شُبْرُمَةَ وَطَارِقٍ فِي مَوْكِبِهِ فَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ:
أَرَاهَا وَإِنْ كَانَتْ تَخُبُّ كَأَنَّهَا ... سَحَابَةُ صَيْفٍ عَنْ قَرِيبٍ تَقَشَّعُ
اللَّهُمَّ لِي دِينِي وَلَهُمْ دُنْيَاهُمْ. فَاسْتُعْمِلَ ابْنُ شُبْرُمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْقَضَاءِ فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ: أَتَذْكُرُ قَوْلَك يَوْمَ كَذَا إذْ مَرَّ بِك طَارِقٌ فِي مَوْكِبِهِ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إنَّهُمْ يَجِدُونَ مِثْلَ أَبِيك وَلَا يَجِدُ أَبُوك مِثْلَهُمْ. إنَّ أَبَاك أَكَلَ مِنْ حَلَاوَتِهِمْ، فَحَطَّ فِي أَهْوَائِهِمْ.
أَمَا تَرَى هَذَا الدَّيِّنَ الْفَاضِلَ كَيْفَ عُوجِلَ بِالتَّقْرِيعِ وَقُوبِلَ بِالتَّوْبِيخِ مِنْ أَخَصِّ ذَوِيهِ، وَلَعَلَّهُ مِنْ أَبَرِّ بَنِيهِ. فَكَيْفَ بِنَا وَنَحْنُ أَطْلَقُ مِنْهُ عَنَانًا، وَأَقْلَقُ مِنْهُ جَنَانًا. إذَا رَمَقَتْنَا أَعْيُنُ الْمُتَتَبِّعِينَ، وَتَنَاوَلَتْنَا أَلْسُنُ الْمُتَعَتِّبِينَ. هَلْ نَجِدُ غَيْرَ تَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى مَلَاذًا، وَسِوَى عِصْمَتِهِ مَعَاذًا؟
1 / 34