Adab al-dunyā waʾl-dīn
أدب الدنيا والدين
Publisher
دار مكتبة الحياة
Edition
الأولى
Publication Year
1407 AH
Publisher Location
بيروت
Genres
Sufism
اطْرَحْ كَوَاذِبَ آمَالِك: وَكُنْ وَارِثَ مَالِك.
وَمِنْهَا: مَا لَحِقَهُ مِنْ شَقَاءِ جَمْعِهِ، وَنَالَهُ مِنْ عَنَاءِ كَدِّهِ، حَتَّى صَارَ سَاعِيًا مَحْرُومًا، وَجَاهِدًا مَذْمُومًا. وَقَدْ قِيلَ: رُبَّ مَغْبُوطٍ بِمَسَرَّةٍ هِيَ دَاؤُهُ، وَمَرْحُومٍ مِنْ سَقَمٍ هُوَ شِفَاؤُهُ.
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَمَنْ كَلَّفَتْهُ النَّفْسُ فَوْقَ كَفَافِهَا ... فَمَا يَنْقَضِي حَتَّى الْمَمَاتِ عَنَاؤُهُ
وَمِنْهَا: مَا يُؤَاخَذُ بِهِ مِنْ وِزْرِهِ وَآثَامِهِ، وَيُحَاسَبُ عَلَيْهِ مِنْ تَبِعَاتِهِ وَأَجْرَامِهِ. وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ لَمَّا ثَقُلَ بُكَاءُ وَلَدِهِ عَلَيْهِ قَالَ لَهُمْ: جَادَ لَكُمْ هِشَامٌ بِالدُّنْيَا وَجُدْتُمْ عَلَيْهِ بِالْبُكَاءِ، وَتَرَكَ لَكُمْ مَا كَسَبَ وَتَرَكْتُمْ عَلَيْهِ مَا اكْتَسَبَ، مَا أَسْوَأُ حَالِ هِشَامٍ إنْ لَمْ يَغْفِرْ اللَّهُ لَهُ. فَأَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى مَحْمُودٌ الْوَرَّاقُ فَقَالَ:
تَمَتَّعْ بِمَالِك قَبْلَ الْمَمَاتِ ... وَإِلَّا فَلَا مَالَ إنْ أَنْتَ مُتَّا
شَقِيتَ بِهِ ثُمَّ خَلَّفْتَهُ ... لِغَيْرِك بُعْدًا وَسُحْقًا وَمَقْتَا
فَجَادُوا عَلَيْك بِزُورِ الْبُكَاءِ ... وَجُدْتَ عَلَيْهِمْ بِمَا قَدْ جَمَعْتَا
وَأَرْهَنْتَهُمْ كُلَّ مَا فِي يَدَيْك ... وَخَلَّوْك رَهْنًا بِمَا قَدْ كَسَبْتَا
وَرُوِيَ أَنَّ «الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِّنِي. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ النَّبِيِّ ﷺ قَلِيلٌ يَكْفِيك خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ يُرْدِيك، يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ النَّبِيِّ نَفْسٌ تُنْجِيهَا خَيْرٌ مِنْ إمَارَةٍ لَا تُحْصِيهَا، يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ النَّبِيِّ ﷺ إنَّ الْإِمَارَةَ أَوَّلُهَا نَدَامَةٌ، وَأَوْسَطُهَا مَلَامَةٌ، وَآخِرُهَا خِزْيٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا مَنْ عَدَلَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كَيْفَ تَعْدِلُونَ مَعَ الْأَقَارِبِ» .
وَقَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ﵀: إنِّي أَخَافُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُهُ. فَقَالَ: إنَّك خَلَّفْتَ مَالَك وَلَوْ قَدَّمْتَهُ لَسَرَّك اللُّحُوقِ بِهِ. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ
1 / 222