فقد كان نبيًا يقتدي به الناس في أصول الدين ومكارم الأخلاق؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [النساء: ١٢٥]، وقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [النحل: ١٢٣]. وإذا أريد من إمامته: أن يقتدى به في العقائد والشرائع، كان المراد من الناس: قومه الذين أوجب الله عليهم أن يتبعوه في جميع ما أوحى الله به إليه.
﴿قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾:
هذه الجملة واقعة موقع الجواب عما شأنه أن يخطر في نفس السامع من السؤال عما كان من إبراهيم ﵇ عند ما تلقى البشارة بالإمامة العظمى، وهي الرسالة، كان من إبراهيم أن طلب الإمامة لبعض ذريته أيضًا، فقال: ﴿قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾.
والذرية: الأولاد، وهذا القول - وهو من كلام إبراهيم - معطوف بالواو على الضمير في قوله: ﴿جَاعِلُكَ﴾، وهو من كلام الله تعالى، دايراد المتكلم قولًا يعطفه على قول متكلم آخر، يسمى في العربية: عطف التلقين. وتقدير مقول إبراهيم: وجاعل من ذريتي إمامًا. وقصده من هذا العطف: الطلب، ولكنه عدل عن أن يقول: اجعل من ذريتي إمامًا إلى قوله: وجاعل من ذريتي؛ لأنه قصد أن يورد كلامه مورد تتمة كلام الله تعالى، فيستحق أن يقع كما وقع المعطوف عليه، أعني: قوله تعالى: ﴿جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾.
﴿قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾:
وردت هذه الجملة جوابًا عن قول إبراهيم: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾، فالعهد هنا بمعنى الإمامة المشار إليها في قوله تعالى: ﴿جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾. وفي الجملة