Acmal Kamila
موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين
Genres
ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين من بعد الهجرة إلى المدينة كانوا يستقبلون في صلواتهم بيت المقدس، واستمروا على ذلك بضعة عشر شهرا؛ وكان النبي - صلوات الله عليه - يحب أن يستقبل قبلة إبراهيم - عليه السلام - , فنزل قوله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس}. . . إلخ الآية. والسفهاء: جمع سفيه، وهو خفيف العقل، ومن لا يميز ما له وما عليه. وولاهم: صرفهم. والقبلة: المكان يتوجه إليه للصلاة، والمراد: بيت المقدس. والاستفهام # في قوله : {ما ولاهم} للإنكار. والمعنى: أن الجاحدين لنبوتك من اليهود والمنافقين سيقولون على وجه الإنكار -إذا حولتم وجوهكم عن استقبال بيت المقدس في الصلاة-: أي شيء صرفهم عن استقبال القبلة التي كانوا عليها؟ وهذه الآية تدل على أنه سيقع حادث في أمر القبلة، وأن السفهاء سيتخذونه وسيلة إلى الطعن في حكمة التشريع. وسمى أولئك الجاحدين سفهاء؛ للتنبيه على أن إنكارهم لتغيير القبلة إنما هو وليد الجهل وخفة العقل.
{قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}:
هذا تعليم من الله تعالى لنبيه الكريم الجواب عن إنكار أهل الكفر والنفاق لتحويل القبلة. والمراد من المشرق والمغرب: جميع الأرض. {صراط مستقيم}: شرع قويم. والمعنى: قل يا محمد إذا قالوا ذلك: إن جميع الأمكنة مملوكة لله، وهي بالنسبة إليه متساوية، وله أن يخص بعضها بحكم دون بعض، فإذا أمرنا باستقبال جهة في الصلاة، فلحكمة اقتضت الأمر، وما على الناس إلا أن يمتثلوا أمره، وهو الذي يهدي من يشاء من خلقه، فيوفقه إلى طريق مستقيم؛ إذ يستقبل القبلة التي أمره بالتوجه إليها. وقال هنا: {صراط مستقيم} هكذا منكرا؛ لأن المراد منه: أمر جزئي من أمور الشريعة هو استقبال البيت الحرام. وقال في سورة الفاتحة: {الصراط المستقيم} معرفا بأل؛ لأن المراد: الشريعة كلها، فكان من المناسب تعريفه بأل المفيدة للكمال.
{وكذلك جعلناكم أمة وسطا}:
الوسط في الأصل: ما بين طرفين أو أطراف، ويستعمل بمعنى: العدل والخير، ويوصف به المفرد والجمع، والمذكر والمؤنث؛ وهو في الآية بمعنى:
Page 259