Acmal Kamila
موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين
Genres
بعد توبيخ المخالفين لملة إبراهيم بقوله تعالى: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم}، وبيان أن هذه الملة هي التي كان إبراهيم أوصى بنيه كما أوصى بها يعقوب بنيه، جاءت هذه الآية للإنكار على أهل الكتاب افتراءهم على يعقوب، وزعمهم أنه كان على ما هم عليه من التدين، وبينت كيفية وصيته لبنيه، فقال تعالى: {أم كنتم شهداء}، فكلمة {أم} مستعملة للانتقال من جملة إلى أخرى، وللاستفهام الإنكاري الذي هو في معنى النفي، فهي مفيدة لمعنى (بل) والهمزة معا، فكانه قيل: بل كنتم شهداء؟ والشهداء: جمع شهيد بمعنى حاضر، والمعنى: ما كنتم حاضرين وقت أن احتضر # يعقوب؛ أي: أشرف على الموت، وأوصى بنيه باتباع ملة إبراهيم، فكيف تدعون ما ادعيتم عليه رجما بالغيب؟!.
ووجه يعقوب الوصية لبنيه في صورة سؤال؛ ليدل على شدة اهتمامه بأمر هدايتهم، ويستدعي بسؤاله جوابا منهم يعبر عن رسوخ إيمانهم، وعقدهم النية على أن يخصوا الإله الحق بعبادتهم.
{قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون}:
هذه الجملة بيان لما أجابوا به يعقوب - عليه السلام -، وهو جواب يتضمن أنهم متمسكون بملة إبراهيم، وهي ملة لا تثليث فيها، ولا تشبيه بمخلوق. وإسماعيل عم يعقوب، وذكروه في جملة آبائه على وجه التجوز بإطلاق الأب على العم، وهو من المجازات المعهودة في فصيح الكلام، وقدموا إسماعيل في الذكر على إسحاق؛ لأنه أسن منه.
{تلك أمة قد خلت}:
الإشارة إلى إبراهيم - عليه السلام - وأبنائه. و {خلت}: مضت وانقرضت، والأمة: الجماعة يجمعهم أمر من نحو الدين والموطن واللغة.
{لها ما كسبت ولكم ما كسبتم}:
الكسب: التحصيل والعمل لإصابة ما فيه نفع. وفي الجملة لفظ محذوف يقتضيه المعنى، والتقدير: لها ثواب ما كسبت، ولكم ثواب ما كسبتم. والذي ترمي إليه الآية: تحذير المخاطبين من أن يتركوا طاعة الله، أو يتباطؤوا في سبيلها اتكالا على انتسابهم لآباء كانوا أنبياء أو صالحين. وقد جاء في الحديث الصحيح: "من أبطأ به عمله، لم يسرع به نسبه".
Page 243