Acmal Kamila
موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين
Genres
والعفو: ترك المؤاخذة على الذنب. والصفح: ترك التأنيب عنه، مأخوذ من الإعراض بصفحة العنق. والأمر في قوله تعالى: {بأمره}: الإذن للمسلمين بالقتال عندما يكون لهم قوة يتمكنون بها من جهاد عدوهم. ومعنى الجملة: قابلوا أولئك اليهود بوجه العفو؛ بأن لا تتعرضوا لمجازاتهم على ما يظهر من آثار ذلك التمني والحسد في قول أو فعل، وأظهروا أنكم لم تطلعوا على شيء من مكرهم حتى يأذن الله لكم بقتالهم، ودفع شرهم بقوة السلاح. وسمى ترك عقوبة المسلمين للكافرين عفوا، مع ضعف المسلمين، وما كان للكفار وقتئذ من شوكة، والعفو إنما يكون عند القدرة؛ للتنبيه على أن أصحاب الحق الذين هم تحت رعاية الله وتأييده # في حكم الأقوياء. فترك هؤلاء المحقين للقيام في وجوه أولئك المبطلين اتقاء لضرر أكبر، يصح أن يسمى عفوا.
{إن الله على كل شيء قدير}:
تضمنت الجملة السابقة وعدا من الله للمؤمنين بالقوة والنصر، وكانوا وقتئذ في حال قلة وضعف بالنسبة إلى كثرة عدوهم وقوته. فاقتضت هذه الحال تأكيد ذلك الوعد، فجاءت هذه الجملة لتأكيده؛ إذ بينت لهم أن كل شيء داخل تحت سلطان قدرته تعالى، وقد وعدهم بالتأييد على عدوهم، وإذا كان تعالى قادرا على إنجاز ما يعدهم به، وقع الموعود به في الوقت المسمى له لا محالة.
وذكر اسم الجلالة في الجملة السابقة يقتضي أن يؤتى في هذه الجملة بالضمير، فيقال: إنه على كل شيء قدير، ولكن إعادة ذكر اسم الجلالة في الجملة يجعلها مستقلة، بخلاف ما لو أتى بالضمير، فإنه يشعر بتبعيتها للجملة الأولى. واستقلال الجملة يدل على شدة عناية المتكلم بالمعنى الذي تتضمنه.
{وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}:
أمرهم في الآية السابقة بالعفو والصفح عن أعدائهم، لحكمة تجعل العفو والصفح خيرا من العقوبة والتأنيب، وأمرهم في هذه الآية بالمواظبة على عمودي الإسلام، وهما: العبادة البدنية التي تؤكد صلة القرب من الله، وهي الصلاة، والعبادة المالية التي تؤلف بين قلوب الموسرين والمعسرين، وهي الزكاة.
Page 201