Acmal Kamila
موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين
Genres
اسم الإشارة {ذلكم} عائد إلى التوبة والقتل المفهومين مما تقدم. وقال: {عند بارئكم} وقد تقدم ذكره قريبا {فتوبوا إلى بارئكم}، والمعروف في مثل هذا الموضع أن يكتفى بالضمير فيقال: عنده، ولكن قوانين البيان البارع تأذن في العدول عن الضمير إلى تكرير الاسم الظاهر متى أعطى الاسم الظاهر فائدة لا يعطيها الضمير، وهي أنه قال: {عند بارئكم}؛ ليؤكد في نفوس المخاطبين ذلك المعنى الذي ينبئ به الاسم الظاهر، وهو أنه أوجدهم # من العدم، وصورهم فأحسن صورهم، فهو القادر على أن يفيض عليهم الخيرات الجزيلة، متى أسلموا له وجوههم، وآثروا إرضاء أهوائهم. والمعنى: أن قتل أنفسكم امتثالا لما أمرتم به هو خير لكم من الإقامة على المعصية؛ فإن الموت آت لا محالة، وليس في تحمل القتل إلا تقديم ما لا بد منه.
{فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم}:
هذا خطاب من البارئ تعالى موجه إلى بني إسرائيل بعد أن انتهت محاورة موسى لهم بقوله: {ذلكم خير لكم عند بارئكم}. وقد جاء هذا الخطاب على طريقة القرآن من الإيجاز؛ إذ حذفت منه جملة دل عليها معنى المنطوق به في النظم؛ أعني: قوله تعالى: {فتاب عليكم} بعد قوله: {فتوبوا إلى بارئكم}. والمعنى مع مراعاة الجملة المقدرة: فامتثلتم ما أمرتم به، فقبل البارئ توبتكم. والتواب: قابل التوبة من عباده على كثرة ما يصدر منهم من الذنوب، وعلى عظم ما يرتكبون من الآثام. والرحيم: دائم الرحمة، أو واسعها؛ بحيث يشمل عباده بإحسانه ولطفه وتوفيقه على حسب ما تقضي به الحكمة.
{وإذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة}:
هذه محاورة من بني إسرائيل لموسى - عليه السلام - تتضمن طلبهم أن يروا الله معاينة. نادوا موسى باسمه، فقالوا: يا موسى! وورد دعاؤهم له باسمه عند محاورته في آيات متعددة، ومن أدب أصحاب نبينا-عليه الصلاة والسلام-: أنهم كانوا يدعونه بلقب الرسالة، فيقولون: يا رسول الله! والإيمان: التصديق.
Page 104