مقدمة المحقق
١) يعد القرن الثامن-الهجري-أكثر عهود دولة بني الأحمر (من بني نصر) زهاء وقوة وتمكنا؛ فقد كانت أيامهم في القرن السابع (منذ سنة ٦٣٥) تثبيتا لحدود الدولة وإرساء لدعائمها، ورسما لسياستها، وتهيئة للأسرة الحاكمة وأصهارها ومن يلوذ بها في أنحاء المملكة الفتية وكان استقرار الأمور وهدوؤها-في القرن الثامن-نسبيا، فقد شهد النصف الأول منه حروبا سجالا مع قشتالة وغيرها من دول إسبانيا المجاورة، بينما اتسم نصفه الآخر بالحفاظ على معاهدات السلم والهدنة التي عقدتها دولة غرناطة مع جيرانها.
وكان هذا القرن حافلا بالأعلام في الآداب والفنون والعلوم وشؤون الهندسة والعمران، وحافظ الأندلسيون على خبراتهم الموروثة، كما ظلت الأندلس الباقية منار إشعاع فكري وحضاري على الرغم من ظروفها السياسية والعسكرية القاسية.
ويكفي أن نذكر من أعلامه لسان الدين بن الخطيب (١)، وأستاذه أبا الحسن بن الجياب (٢)، وابن خاتمة الأنصاري (٣)، وابن زمرك (٤)، والشريف
_________
(١) أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الخطيب (٧١٣ - ٧٦٦) الوزير الكاتب الشاعر صاحب المصنفات الشهيرة. (انظر دراسة عنه خاصة للأستاذ عنان)
(٢) أبو الحسن علي بن محمد بن الجياب (٦٧٣ - ٧٤٩) الوزير الكاتب الشاعر له ديوان شعر، ورسائل. (وديوانه في سلسلة دراسات أندلسية)
(٣) أبو جعفر أحمد بن علي بن خاتمة (٧٠٠ - ٧٧١) متصوف، شاعر، أديب له ديوان مطبوع (وزارة الثقافة بدمشق)
(٤) أبو عبد الله محمد بن يوسف الغرناطي (٧٣٣ - ٧٩٣) شاعر من مشهوري كتاب الدولة النصرية. (انظر دراسة عنه في سلسلة الذخائر)
1 / 5
(السبتي) (١)، وأبا القاسم بن جزيّ الكلبي المفسر المشهور (٢)، وأبا البقاء خالد البلوي صاحب رحلة «تاج المفرق» (٣)، وأبا الحسن النباهي القاضي المشهور (٤).
٢) ومن رجال القرن الثامن الأديب المؤرخ المشارك في فنون من الثقافة العربية والإسلامية أحد أمراء البيت النصري: أبو الوليد إسماعيل بن يوسف بن محمد بن أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف المدعو بالأحمر. وبنو نصر هم حكام دولة غرناطة منذ نشوئها-بعد انتهاء الموحدين وانقراض الثائرين على دولتهم- إلى نهاية الإسلام في الأندلس، وينتمون في نسبتهم إلى الصحابي الجليل سعد ابن عبادة الأنصاري. ومحمد بن الأحمر (شقيق جد صاحب الترجمة) هو مؤسس الدولة الذي استدعاه أهل غرناطة فملكها سنة ٦٣٥. أما أبو سعيد فرج فقد كان واليا على «مالقة». وكانت لمحمد بن فرج ثورة في مدينة أندرش سنة ٧٢٧؛ ذلك أنه قدم من تلمسان-حيث يقيم-إلى أندرش باستدعاء عثمان بن أبي العلاء القائد المغربي المريني صاحب (الجند الغربي) (٥) بعد أن جافى الأمير محمد النصري (٨٢٥ - ٧٢٣) واصطدم بالوزير محمد بن أحمد بن المحروق. ولكن الخلاف بين ابن أبي العلاء والأمير النصري انتهى بوفاة الوزير، فصرف القائد المريني الأمير محمد بن أبي سعيد فرج ثانية إلى تلمسان.
_________
(١) أبو القاسم محمد بن أحمد الشريف الحسني الغرناطي (٦٩٧ - ٧٦٠) القاضي الأديب صاحب شرح مقصورة حازم (رفع الحجب المستورة عن محاسن المقصورة).
(٢) (٦٩٣ - ٧٤١) الشهيد في وقعة طريف، صاحب تفسير (التسهيل لعلوم التنزيل).
(٣) أبو البقاء خالد بن عيسى البلوي القتوري صاحب الرحلة المشهورة تاج المفرق بتحلية علماء المشرق.
(٤) علي بن عبد الله بن الحسن النباهي (٧١٣ - ٧٩٢) صاحب كتاب المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا، المطبوع بعنوان: تاريخ قضاة الأندلس.
(٥) كان المرينيون والنصريون قد اتفقوا على إبقاء حامية من الجند المغاربة برسم الجهاد في أرض العدو ومساعدة الأندلسيين في دفاع أو هجوم. وأول من رأس الجند المغربي عثمان بن أبي العلاء. (انظر اللمحة البدرية لابن الخطيب، ونهاية الأندلس لمحمد عبد الله عنان).
1 / 6
وكان الفرع الذي ينتمي إليه صاحب الترجمة قد اضطرب أمره بخلافات حول الملك، واصطدم إسماعيل بن فرج (خامس الملوك النصريين) بوالده، وبأخيه محمد، مما أدى إلى انتقال محمد إلى بلاد المغرب مع نفر من آله.
ومع هذا فإن صاحب الترجمة يقول إن والده يوسف خرج من الأندلس إلى بلاد المغرب، فوفد على بجاية أولا ثم استقر-مع أولاده، وفيهم إسماعيل- بفاس. ويظهر لنا من ترجمته أنه ولد بالأندلس، وعاش فيها صدرا من صباه، ثم استقر بالمغرب يتذكر أيامه بغرناطة ويحنّ إليها، ويتعيش من أعمال في دولة بني مرين، وجراية كانوا يجرونها على (الوافدين) من الأسرة النصرية (١).
٣) ولد إسماعيل بن يوسف بن محمد نحو سنة ٧٢٥ بغرناطة (٢)، وغادرها مع أبيه-على الأكثر-إلى بجاية، ثم استقر بفاس. وكانت مغادرته في عهد الأمير يوسف (الأول) «٧٢٥ - ٧٣٣»، ويروي لنا أنه غادرها مرغما مغرّبا «فلولا أن هدر الملوك بنو عمي بوطني دمي لسرت إليه على رأسي لا على قدمي. . .» (٣)، ويوافق هذا عهد أبي الحسن علي المريني.
وقد نبغ صاحب الترجمة في عهد أبي عنان المريني الذي قربه في جملة العلماء والأدباء
_________
(١) راجع تفاصيل ذلك في الدراسة الموسعة عن إسماعيل بن الأحمر في (نثير فرائد الجمان في نظم فحول الزمان: دراسة وتحقيق-المكتبة الأندلسية العدد ١٨ تأليف د. محمد رضوان الداية).
(٢) انظر في ترجمته: درة الحجال لابن القاضي ١:١١٦، وجذوة الاقتباس، له:٦٩ ونيل الابتهاج لأحمد بابا:٩٩، واللمحة البدرية للسان الدين بن الخطيب:٢٤، وشجرة النور الزكية لمحمد مخلوف:٢٣٨. وسلوة الأنفاس للكتاني ٣:٢٥٦ وفهرس الفهارس والأثبات لعبد الحي الكتاني ١:١٠٠، وإيضاح المكنون ١:١٧٢، وهدية العارفين ١:٢١٥. وله تراجم في كتب المعاصرين مثل تاريخ الأدب العربي لبروكلمان، والأعلام للزركلي، ومعجم المؤلفين لكحالة، وغيرها.
(٣) نثير الجمان (نسخة دار الكتب) ٢/ب.
1 / 7
والشعراء، وكان مشهورا يحب العلم وأهله، جمّاعة للكتب، مثيبا للشعراء.
واستمرت صلته بالدولة المرينية طوال حياته، سواء كانت علاقة بالسلاطين أنفسهم أم بالكتاب والوزراء والحجاب وطبقتهم. (١).
وقد تلقى علومه الأولى في غرناطة، ولكن شيوخه الذين ذكرهم في فهرسته كانوا من المغرب، أو من الأندلسيين المقيمين فيه، أو الأندلسيين في أثناء ترددهم عليه أو في أثناء رحلاتهم إلى الشرق وعودتهم منه. فمن شيوخه محمد بن محمد بن داود الصنهاجي (ابن آجروم)، والقاضي الفقيه الحسن بن عثمان الوانشريسي، والقاضي محمد بن أحمد الفشتالي، والفقيه سعيد بن أبي العافية المكناسي. وممن أجازه من الأندلسيين أبو سعيد فرج بن لب التغلبي الغرناطي وأبو القاسم عبد الرحمن الأموي، وأبو عبد الله محمد بن سعيد الرّعيني. السراج، وأبو القاسم عبد الله بن يوسف بن رضوان النجّاري وغيرهم.
وكان يتصل بالوفود الغرناطية الأندلسية الزائرة، ويلتقي بالعلماء والأدباء يستجيزهم علومهم، ويستنشدهم أشعارهم، ويستكتبهم رسائلهم ويدوّن ذلك ويجمعه ويحرص عليه. كما كان يطلب إليهم موافاته ببعض إنتاجهم ليرسمه في بعض مؤلفاته، كما يظهر بجلاء في ثنايا كتابه هذا الذي نقدم له.
وكانت وفاته عن سن متقدمة بفاس سنة ٨٠٧، وقيل سنة ٨١٠.
٤) وقد حفظت لنا عدة أسماء ممن تتلمذ على ابن الأحمر أو روى عنه أو أخذ عنه الإجازة مثل سعيد بن إبراهيم السّدراتي الشهير بشهبون، وعبد الرحمن الجادري (٢).
وله عدد من المؤلفات، بعضها مفقود، والذي نعرفه منها:
_________
(١) راجع تفاصيل صلته ببني مرين في دراسة المحقق عن حياة ابن الأحمر وأدبه:٨٥ - ٨٧.
(٢) انظر: دراسة في حياة ابن الأحمر وأدبه؛٨٧.
1 / 8
١ - شرح البردة: ذكره في نثير الجمان ونقل منه نصا في الورقات ٥٣ - ٥٦ (مخطوطة دار الكتب المصرية).
٢ - عرائس الأمراء ونفائس الوزراء: ذكره في نثير فرائد الجمان، وذكره ابن القاضي أيضا.
٣ - تأنيس النفوس في تكميل نقط العروس: ذكره ابن القاضي، وأحمد بابا، وصاحب سلوة الأنفاس، وصاحب فهرس الفهارس.
٤ - برنامج أو مشيخة ونقل أحمد بابا منه نقولا كثيرة في (نيل الابتهاج).
٥ - المنتخب من درر السلوك في شعر الخلفاء الأربعة والملوك: ذكره في نثير الجمان (الورقة ٣٢).
٦ - نظم وشرح: على غرار كتاب لسان الدين رقم الحلل (في التاريخ) ذكره في سلوة الأنفاس، وأحمد بابا في نيل الابتهاج.
٧ - فريد العصر في شعر بني نصر: ذكره في نثير الجمان.
٨ - مشاهير بيوتات فاس: قال في فهرس الفهارس: وهو الذي اختصره أبو زيد الفارسي في كتابه المطبوع.
٩ - حديقة النسرين في أخبار بني مرين: ذكره ابن القاضي، وأحمد بابا، وفي فهرس الفهارس.
١٠ - روضة النسرين في أخبار بني عبد الوادي وبني مرين: ذكره غير واحد وهو مطبوع. نشره ل. بروفنسال في المجلة الآسيوية (أكتوبر ديسمبر-١٩٢٣)، ثم أعاد نشره الأستاذ المؤرخ عبد الوهاب بن منصور (١٣٨٢ - ١٩٦٢) (١).
_________
(١) المرجع السابق ص ١٢٥ - ١٢٩.
1 / 9
١١ - مستودع العلامة ومستبدع العلاّمة: ذكر فيه من تولى «العلامة» من الكتاب عن الملوك. وطبع الكتاب في تطوان عن كلية الآداب بجامعة محمد الخامس بتحقيق الأستاذ محمد التركي التونسي ومحمد بن تاويت التطواني.
١٢ - نثير فرائد الجمان في نظم فحول الزمان: ألفه سنة ٧٩٩ وجعله في فصلين: الأول لعدد من شعراء المشرق والثاني لعدد من شعراء المغرب.
وجعل الفصل الثاني في قسمين: أحدهما لشعراء الأندلس والثاني لشعراء المغرب (برّ العدوة). وتراجم الكتاب كله ثلاثون عدا ترجمة المؤلف الذاتية وقد حققت الكتاب ونشرته في المكتبة الأندلسية (العدد ١٨) (١).
١٣ - نثير الجمان في شعر من نظمني وإياه الزمان: وهو هذا الكتاب الذي نقدم له ألفه ابن الأحمر سنة ٧٧٦ وقصره على شعراء الأندلس والمغرب (بمعناه العام) ولم يذكر فيه أحدا من المشارقة على سبيل الترجمة. وهو كتاب تراجم يعتني بالنصوص الأدبية، وبخاصة منها النصوص الشعرية.
وفيه نيف وسبعون ترجمة لأدباء ومتأدبين من الأندلس، والمغرب (الأقصى) من رجال الدولة المرينية، والمغرب (الأوسط) من رجال الدولة الزيانية العبد الوادية، والمغرب (الأدنى) من رجال الدولة الحفصية. وقد انتظمت هذه التراجم معظم المشهورين من أعلام هذه الدول ورجالها.
وجعل كتابه في اثني عشر بابا، عشرة أبواب في التراجم، واثنان مكملان لمقاصد المؤلف، فالأول في فضل الشعر وإباحة انشاده بالمساجد، والثاني عشر في الشعر الذي قيل في السيف الذي [كان] بصومعة جامع القرويين من فاس، مع مقدمة وخاتمة.
والكتاب واحد من كتب التراجم القليلة التي بقيت من هذا العصر، وأشهرها كتاب الإحاطة في أخبار غرناطة، وكتاب الكتيبة الكامنة فيمن
_________
(١) طبع في دار الثقافة ببيروت.
1 / 10
لقيناه بالأندلس من شعراء المئة الثامنة للسان الدين بن الخطيب، وكتابا ابن الأحمر المشار إليها. وقد ألفت كتب أخرى في التراجم، والتعريف بالمدن ورجالها ولكنها في حكم المفقودة مثل كتاب ابن خاتمة المسمى مزيّة المريّة.
٥) والكتاب، على كل حال، من الآثار الأدبية الباقية من القرن الثامن وهو ذو أهمية متنوعة الجوانب، فإن فيه نماذج هامة من شعر رجال العصر ونثرهم وفيه تراجم عدد كبير منهم، مما يستقل المؤلف بذكره، أو يعضد تراجم أخرى لهم في كتب سابقة أو لاحقة، وفيه ملاحظات تاريخية واجتماعية وثقافية تلقي أضواء على العصر وأحواله وتقلباته. والكتاب -بعد-معرض لحياة المؤلف، وعلاقاته، وتجاربه، وصلاته بالدول والأمراء لزمانه، ومجال عرفنا فيه شخصيته التاريخية والأدبية، ومشاركاته في عدد من الفنون والأغراض. وعلى الرغم من لغة المؤلف التي أكثر فيها من السجع ومن الأسلوب المرصع فإن القارئ يستشف آراءه وتقريراته وأحكامه بوضوح. وكان ربما خرج إلى الأسلوب المرسل وتحرر من القيود.
٦) اعتمدت في تحقيق الكتاب على نسختيه المعروفتين لنا، وهما مخطوطة دار الكتب المصرية (المحفوظة تحت رقم: أدب ١٨٦٣) ومخطوطة الخزانة الملكية بالرباط.
ومخطوطة دار الكتب المصرية تقع في ١٢٩ ورقة، وسقطت منها ورقتان من البداية وورقة واحدة من الخاتمة، ولا نجد تأريخا للنسخة لفقدان أولها وآخرها. وطمس أسفل بضع صفحات من أول النسخة (في حدود سطرين إلى ثلاثة أسطر) بفعل ترميم جرى عليها، وهي بخط مغربي جميل.
أما مخطوطة الخزانة الملكية بالرباط فتقع في ١٣٦ ورقة، منها أربع
1 / 11
ورقات من الحوامي وليست من أصل الكتاب. وهي بخط مغربي دقيق، وكتبت بأكثر من قلم واحد. وهي إلى ذلك متداخلة الصفحات مضطربة الترتيب. ولم يكن ناسخها-أو ناسخوها-على نصيب من العلم فتداخل الشعر بالنثر في بعض التراجم. والنسخة المغربية بعد متآكلة في مواطن متعددة بفعل الأرضة. وقد عاينت النسخة الأصلية واستدركت مواضع كثيرة غمضت في النسخة المصورة منها (١).
وقد تداركت من النسخة المغربية ما سقط من نسخة دار الكتب المصرية وقابلت النصين، وإن كانت الفروق بينهما قليلة. ولكن الفائدة الحقيقية كانت في توثيق الكتاب وعرضه وضبطه، واستدراك أوله وآخره.
واعتمدت نسخة دار الكتب أساسا؛ لوضوحها، وضبطها، وحسن خط كاتبها، ووضوح قاعدة رسمه، وانسجام النسخة من أولها إلى آخرها.
وجعلت النسخة المغربية أصلا ثانيا أتدارك منه النقص، وأقابل عليه.
وقد اجتهدت في العناية بالنص، وضبطه، ومقابلته، وأحلت في التراجم على مظان ذكرهم وأخبارهم، وقابلت النصوص على أصولها في الدواوين والمختارات في الكتب الأصلية (٢) -إن وجدت-وأضفت حواشي وتعليقات
_________
(١) كان ذلك في شهر تشرين الأول (أكتوبر) سنة ١٩٧٥، في أثناء مهرجان ابن زيدون، وكانت زيارتي للرباط تلبية لدعوة كريمة من وزارة الثقافة، وقد اطلعت على المكتبة العامة بالرباط والخزانة الملكية بها، وسهل لنا المسؤولون جميعا سبيل القراءة والمراجعة والتصوير، فإليهم أقدم آيات الشكر، والثناء.
(٢) من أهم مارجعت إليه كتب لسان الدين بن الخطيب في التاريخ والأدب مثل الإحاطة والكتيبة الكامنة، واللمحة البدرية، ورقم الحلل، ومعيار الاختيار، ومشاهدات لسان الدين، وريحانة الكتّاب، ودواوين بعض المعاصرين كديوان لسان الدين بن الخطيب وديوان ابن خاتمة الأنصاري، وديوان أبي الحسن بن الجياب. ومن ذلك رحلة أبي البقاء البلوي والمرقبة العليا للنباهي. ومن ذلك كتابا المقري نفح الطيب وأزهار الرياض، بالإضافة إلى كتب التراجم، وكتب التاريخ كتاريخ ابن خلدون وترجمته الذاتية. . . ومن هذه الكتب ما هو مطبوع ومنها ما هو مخطوط، كما هو مبين في ثبت المصادر والمراجع.
1 / 12
بما يفيد الكتاب ولا يثقل بهوامش يمكن الاستغناء عنها، على قدر الطاقة، والنظر، والاجتهاد.
وبعد:
فإنني أرجو أن يكون هذا الجهد المتواضع خطوة أخرى في طريق إحياء التراث الاندلسي وأن يساهم في جلاء جوانب جديدة من حياة الأدب الأندلسي وتاريخه وآمل أن يتلقاه المهتمون بالأندلسيات بعين الرضا وأن يلتمسوا لما سهوت عنه، وغاب عني منه، عذرا مقبولا.
وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.
وهران (بالقطر الجزائري)
١٣٩٥ هـ-١٩٧٥ م
د. محمد رضوان الداية
1 / 13
صورة الورقة (٨٣) من مخطوطة دار الكتب المصرية (م)، وفيها بداية ترجمة «ابن خلدون»
1 / 14
صورة الصفحة الاخيرة من مخطوطة دار الكتب المصرية (نسخة م) وعليها طابع الدار (الكتبخانة الخديوية المصرية).
صورة الصفحة الأولى من نسخة دار الكتب المصرية واستدرك عنوان الكتاب في رأس الصفحة بخط مغاير
1 / 15
بداية مخطوطة الخزانة الملكية (بالرباط) والسطور الشاحبة في الصورة كتبت في الأصل بقلم أحمر
1 / 16
صورة الورقة الاخيرة من المخطوطة المحفوظة في الخزانة الملكية بالرباط، وفيها عبارة ختام الكتاب
1 / 17
[مقدمة مؤلف الكتاب]
بسم الله الرحمن الرحيم قال الرئيس الفقيه (١) النحوي (٢) الراوية المسند الحافظ، فارس النظم والنثر، أبو الوليد إسماعيل بن الرئيس أبي الحجاج يوسف بن السلطان أمير المسلمين القائم بإذن الله (٣) أبي عبد الله بن علم الأمراء ووالد الكبراء، الرئيس الأمير أبي سعيد فرج بن الأمير أبي الوليد إسماعيل بن الأمير أبي الحجاج يوسف الشهير بالأحمر، ابن السلطان أمير المؤمنين المنصور بالله أبي بكر محمد ابن أحمد بن محمد بن خميس بن نصر بن محمد بن محمد (٤) بن نصر (٥) بن علي بن يحيى بن سعد بن قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي، ﵁ بمنه وكرمه:
[أحمد الله تعالى الذي] (٦) جعل مورد الآداب لدى البث والاكتئاب (٧)
_________
(١ و٢) سقط من نسخة الرباط عدد من ألقاب المؤلف العلمية بسبب تآكل النسخة، وتقدر بنحو ٦ كلمات.
(٣) لقبه في نثير الفرائد بالقائم بأمر الله (ص ٢١٥).
(٤) (محمد) زيادة عما أورده في نثير الفرائد.
(٥) في نثير الفرائد: نصير، ولعلها من تصحيف النساخ.
(٦) ما بين معقوفتين غير ظاهر تماما في نسخة الرباط.
(٧) تآكل من الأصل بمقدار كلمات تقريبا.
1 / 19
يروي ذا القلب المعنى من فائق اللفظ ورائق المعنى. وأطلق من وثاق (١) الحرمان نفس الجعد البنان (٢) إلى طلاقة (٣) وسماحة (٣).
وأخص بالصلاة سيدنا ومولانا محمدا سراج البيان (٤) مصباحه، وأعم به [آله] (٥) ذوي الأخلاق الساطعة الإشراق والصباحه. وأسلم عليهم كثيرا عميما، مساء الزمان وصباحه.
وبعد: فإنه لما كان الشعر أعذب ما تطمح إليه الهمم الهمامية (٦)، وأسنى ما تعتمده أنفس أولي الفعال الاهتمامية، [لما يشتمل] (٧) عليه من ضبط القوافي والأوزان، ويحتوي عليه مسرحه من بديع الحلاوة والنغمات [المذهبة] (٧) للأحزان. [ولما كان] (٨) ديوان العرب الذي خلدت به مآثرها (٩) به تتفاوت في الناس الأخطار وتتشرف النفوس وإن اختلفت بهم الأقطار. وإذ هو أشرف زي وأرفع لباس، وأجلب شيء لنفع وأدفع لباس (١٠)، ولما كان في المرتبة العالية في نفوس أهل العقد والحل، وبلغ عند ذوي الألباب المنزلة الرفيعة وسنيّ المحل، وصار يعتلق بها اعتلاق الحرباء بالأعواد، ويسلك منها مسلك السماحة في أجساد الأجواد، وكانت العيون
_________
(١) في الأصل: وثائق. وهو تحريف.
(٢) جعد البنان: كناية عن البخيل.
(٣) كلمة غير ظاهرة.
(٤) كذا بغير واو العطف. وانظر الفقرة الموازنة بعد.
(٥) غير واضحة في الأصل.
(٦) تآكل بعض أجزاء الكلمة في الأصل.
(٧) غير واضحة في الأصل.
(٨) تآكل بعض العبارة في الأصل.
(٩) عبارات لم تظهر بتآكل شديد في النسخة، تقدر بنحو ٣ أسطر.
(١٠) سطران غير واضحين في نسخة الرباط.
1 / 20
أبدا إلى (١) المخترع منه طامحة، وإلى رؤية (١) ما نجم من محاسنه لامحة، والأنفس بقبول حفظه سامحة، وكان في هذا العصر الذي أنا فيه من يأتي في (٢) نظمه بالبديع ويوفيه. من محب متغزل، ومادح للمطلوب مستنزل، سنحت لأهله نصحيتي وسمعت بعمله قريحتي.
فسألت الله التيسير في كل عسير، فزال عني الالتباس، وذهب أكثر الباس. فجمعت في هذا التأليف ما وجدته لهم متمحقا شعاعه، وألفته من نفائس [جواهرهم] (٣) متفرقا شعاعه لأطلع منه على بدائع جالبة للسلوان (٤) في كل أوان. معولا في ذلك على ما طاب فصله، وفرع ذرى الإجادة فرعه وأصله.
واقتصرت فيه على من لنفسه أنشدني، ومن بنظامه البارع استرشدني [ممن رأيته بالعيان من الشعراء الأعيان] (٥) ومن بسنّي لحقته (٦). وغرضي أن أكتب ما أجده من الرسائل لمن ثبت اسمه، وأضمنه (٧) أنواعا شتى من المكاتبات، وأحسن رسمه.
إذ [هذا] (٨) النوع الإنشائي من الطبقة العليا بالموضع الذي لا يجهل علوّه، ولم [يتقلد حليه] (٨) من الجنس الإنساني إلا الآحاد فلا ينبغي أن يهمل سموّه.
وسمّيت كتابي هذا: نثير الجمان في شعر من نظمني وإياه الزمان وألفته
_________
(١) كلمة غير واضحة في الأصل.
(٢) كلمة (في) زيادة على الأصل.
(٣) الكلمة متآكلة في الأصل، واستدركت من نثير الفرائد (في عبارة مشابهة).
(٤) سقطت عبارة تقدر بنحو ٣ كلمات، ظهر منها: وأتيت، بمحاسن
(٥) من نثير الفرائد (في عبارة مشابهة).
(٦) سقطت ثلاثة أسطر تقريبا.
(٧) في الأصل: ونضمنه. وقد ورد كذا في نثير الفرائد في عبارة مقاربة. قلت: انظر الفعل التالي.
(٨) غير واضح في الأصل، والمثبت من: نثير الفرائد.
1 / 21
وأنا ببرّ العدوة، في كنف الملك المريني والحفوة (١)، حين أخرجنا من الأندلس بنو عمنا الملوك الأحمريون وعشيرتنا السلاطين النصريون، خوفا منّا على سلطانهم (٢) بأوطانهم. [لأجل] (٣) واش مرود (٤) متملق بذلك [غير] (٥) ودود. يظهر لهم النصيحة حالية، ويخوفهم مما (٦) وقع في الأيام الخالية. وإن الملك عقيم. وإذ كل من هو من بيته من حوله مقيم.
ولما كان الحلول بملوك المغرب [أمطروا] (٧) علينا سحائب كرمهم المغرب، وحسنت الأحوال، وذهبت الأهوال. وطاب المقام، ونجم الأمن واستقام.
ومع هذه (٨) الفضائل السامية والمفاخر النامية، فكثيرا (٩) ما أنشد في الحنين إلى الوطن:
بلادي وإن شطت عليّ عزيزة ... وقومي وإن شحوا [علي كرام] (١٠)
إذ هو من وطن آبائه، ومحل قومه وأحبائه. ومن مروءة المرء حنينه
_________
(١) في الأصل: الحفوة. قلت والمصدر من حفي به: حفاوة-بفتح الحاء وكسرها- وتحفاية. وأما الحفوة بضم الحاء وكسرها فهو مصدر حفي: مشى بغير خف ولا نعل.
(٢) تآكل بمقدار كامتين. والأشبه أن تكونا: إذ كنا (؟).
(٣) ظهر نصف الكلمة.
(٤) في القاموس: مرد فهو مارد، ومريد.
(٥) ظهر نصف الكلمة.
(٦) واقرأ أيضا: بما.
(٧) غير ظاهرة في الأصل.
(٨) بعض حروف العبارة متآكل من الأصل.
(٩) في الأصل: فكثير.
(١٠) البيت ناقص في الأصل بتآكل الصفحة والمحفوظة فيه: وإن جارت. . وإن ضنوا.
1 / 22
إلى وطنه (١). وقد حن رسول الله ﷺ إلى مكة إذ هي دار مولده (٢).
[وفد أصيل الغفاري على رسول الله ﷺ قبل أن يضرب الحجاب، فقالت له عائشة ﵂]: كيف تركت مكة؟ قال: تركتها وقد (اخضرت جنباتها) (٣)، وابيضت بطحاؤها، وانتشر سلمها، وأعذق إذخرها، فقال النبي ﵇ (*) [١/ب]: دع القلوب تقر.
وحدثني بفاس في سنة أربع وسبعين وسبع مئة، شيخنا الفقيه المحدث الراوية المسند الحاج الرحال الصالح المعمر أبو عبد الله محمد بن سعيد الرعيني المعروف بالسرّاج، وشيخنا الفقيه القاضي الخطيب العالم المفتي المدرس أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الملك الفشتالي؛ قالا: حدثنا الفقيه الخطيب الحاج الرحال المحدث الحافظ محب الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن رشيد الفهري السبتي نزيل فاس، عن الفقيه الخطيب الصالح أبي عبد الله محمد بن صالح بن أحمد بن محمد الكناني الشاطبي عن الفقيه القاضي أبي الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن
_________
(١) جملة ظهر منها: وإن؟. . . مستوطنه.
(٢) تآكلت ثلاثة أسطر وظهر نحو سطرين، ثم تعانقت النسختان المخطوطتان. وما بين معقوفتين غير ظاهر في نسخة الرباط. وفيه أصيل الخزاعي والحديث: قدم أصيل الغفاري على رسول الله ﷺ قبل أن يضرب الحجاب، فقالت له عائشة ﵂ كيف تركت مكة؟ قال اخضرت جنباتها، وابيضت بطحاؤها، وأعذق إذ خرها، وانتشر سلمها. . الحديث. وفيه: فقال له رسول الله ﷺ ويها يا أصيل، دع القلوب تقر» أخرجه الخطابي في غريب الحديث من طريق الزهري، وأبو موسى المديني من وجه آخر. وانظر: المقاصد الحسنة للسخاوي ١٨٣ وكشف الخفا ومزيل الإلباس ١:٣٤٦، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير ١:٣٣ والإذخر: حشيشة طيبة الرائحة، تسقف بها البيوت فوق الخشب. وأعذق أي صار له أعذاق. والسلم: شجر.
(٣) في الأصل: وقد (اخضر؟) ثمامها. وكلمة (اخضر) غير واضحة. والثمام نبات.
(*) من هنا تبدأ نسخة م (دار الكتب المصرية) وإحالات الأرقام عليها.
1 / 23
يوسف بن قطرال عن الحافظ محمد بن سعيد بن زرقون الأنصاري عن الراوية أبي عبد الله أحمد بن محمد الخولاني عن أبي عمرو عثمان بن أحمد بن محمد بن يوسف اللخمي القبحطيلي قال: حدثني أبو عيسى يحيى بن عبد الله بن أبي عيسى قال: حدثني عمي أبو مروان عبيد الله بن يحيى بن يحيى عن أبيه يحيى ابن يحيى عن مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: لما قدم رسول الله ﷺ المدينة وعك أبو بكر وبلال. قالت فدخلت عليهما فقلت: يا أبت: كيف تجدك؟ ويا بلال: كيف تجدك؟ قالت فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول:
كل أمرئ مصبّح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله
قالت: وكان بلال إذا أقلعت عنه يرفع عقيرته ويقول (١):
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل (٢)
[٢/أ] قالت عائشة: فجئت رسول الله ﷺ فأخبرته فقال: اللهم حبب لنا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها، وبارك لنا في صاعها ومدها، وانقل حمّاها فاجعلها في الجحفة (٣).
وأنشدني في الحنين إلى الأوطان ذو الوزارتين الحاجب القائد الخطيب الفقيه الكاتب صاحب القلم الأعلى، أبو عبد الله محمد بن الفقيه الخطيب الكاتب
_________
(١) لم يظهر ما بين معقوفتين في الأصلين لطمس فيهما وهو مستدرك من صحيح البخاري ج ٤:٢٦٤ وهو في معجم ما استعجم ٢:٣٦٩ والعقد ٥:٢٧٢. والبداية والنهاية ٣:٢٢١
(٢) تآكلت حروف قليلة من الشعر في نسخة ط. وذهب الشعر كله من م.
(٣) الحديث في صحيح البخاري ٤:٢٦٤، وفيه حبب إلينا. و: بالجحفة. والجحفة كانت قرية كبيرة على طريق المدينة من مكة. وهي ميقات أهل مصر والشام إن لم يمروا على المدينة. وانظر صحيح مسلم بشرح النووي ٩:١٠٥
1 / 24
أبي محمد عبد الله بن سعيد بن الخطيب السلماني الأندلسي (١) بفاس يتشوق معاهده بالأندلس لما كان بالعدوة حين خلع عن ملكه مخدومه ابن عمنا السلطان الغني بالله محمد (٢)
أحبك يا مغنى الحقوق بواجب ... وأقطع في أوصافك الغر أوقاتي
تقسّم منك الترب أهلي وجيرتي ... ففي الظهر أحيائي وفي البطن أمواتي
وقلت أنا في ذلك، حين مقامي ببر العدوة في حضرة ملوك مرين لما أخرجنا عن الأندلس بنو عمنا الملوك الأحمريون النصريون لما قدمناه:
فؤادي يشتكي داء دفينا ... لبعدي عن مزار الظاعنينا (٣)
وأكبادي من الأشواق ذابت ... ووجدي فاق وجد العاشقينا
ولي جسم أضرّ به سقام ... وقلبي بعدهم أليف الشجونا
ورب البيت لا أنسى هواهم ... وكيف؟ وهم بقلبي ساكنونا
لعمري [ما النّوى] إلا عذاب ... وإني قد بليت به سنينا (٤)
يهيّج زفرتي تذكار أرضي ... ويفجعني ويستهمي الجفونا
حنيني ما حييت لها عظيم ... وما بسوى محبتها بلينا
فما صبر وإن بعدت بباق ... كذا سنن الكرام الماجدينا
وما بمراد نفسي كان عنها ... بعادي، لا، ورب العالمينا!
فواجب على الحر الطاهر أن يحن إلى وطنه في السر والظاهر، ويردد بالشوق العظيم ما إني أردده من قصيدة ابن عبد العظيم:
_________
(١) هو لسان الدين بن الخطيب، وسيرد عنه حديث مفصل.
(٢) هو الأمير محمد بن يوسف، حكم غرناطة مرتين، الأولى من ٧٥٥ - ٧٦٠ والثانية من ٧٦٣ - ٧٩٣ وهو مخدوم لسان الدين. انظر اللمحة البدرية:٨٢.
(٣) في الأصلين: لبعد. ورجحت ما أثبت.
(٤) (ما النوى) زيادة أقترحها، لطمس في الأصلين مكانها.
1 / 25