أكل شيئًا يسيرًا. قال: وما رأيناه يذكر شيئًا من ملاذّ الدنيا ونعيمها، ولا كان يخوض في شيء من حديثها، ولا يُسألُ عن شيء من معيشتها، بل جلُّ همّته وحديثه في طلب الآخرة، وما يقرّب إلى الله تعالى.
وهكذا كان في لباسه، لم يُسمع أنه أمر أن يُتَّخذ له ثوب بعينه، بل كان أهله يأتون بلباسه وقت علمهم باحتياجه إلى بدل ثيابه التي عليه، وربّما بقيت عليه مدّة حتى تتّسخ ولا يأمر بغسلها حتى يكون أهله هم الذين يسألونه ذلك.
وأخبر أخوه (^١) الذي كان ينظر في مصالحه الدنيوية أنّ هذا حاله في طعامه وشرابه ولباسه وما يحتاج إليه ممّا لا بدّ منه من أمور الدنيا، وما رأيت أحدًا كان أشدَّ تعظيمًا للشيخ من أخيه هذا ــ أعني القائم بأوَدِه (^٢) ــ وكان يجلس بحضرته كأنّ على رأسه الطير، وكان يهابه كما يهاب سلطانًا، وكنا نعجب منه في ذلك ونقول له: إنّ من العرف والعادة أنّ أهل الرجل لا يحتشمونه كالأجانب، بل يكون انبساطهم معه فضلًا عن الأجنبي، ونحن نراك مع الشيخ كتلميذ مبالغ في احتشامه واحترامه، فيقول: إني أرى منه أشياء لا يراها غيري، أوجبَتْ أن أكون معه ما ترون. وكان يُسأل عن ذلك فلا يذكر منه شيئًا لما يعلم من عدم إيثار الشيخ لذلك.
_________
(^١) هو زين الدين عبد الرحمن بن عبد الحليم ابن تيمية (ت ٧٤٧). ترجمته في «البداية والنهاية»: (١٨/ ٤٩٠) و«الدرر الكامنة»: (٢/ ٣٢٩).
(^٢) كذا، ولعلها: «بأموره».
1 / 772