الفصل الثامن
في هيئته ولباسه
كان ﵁ متوسّطًا في لباسه وهيئته، لا يلبس فاخر الثياب بحيثُ يُرْمق ويمدّ إليه النظر فيها، ولا أطمارًا، ولا غليظةً تُشهر حال لابسها ويُميَّز من عامّة الناس بصفةٍ خاصة يراه الناسُ فيها (^١). بل كان لباسُه وهيئتُه كغالب الناس ومتوسّطهم. ولم يكن يلزم نوعًا واحدًا من اللباس فلا يَلْبَسُ غيرَه. كان يلبس ما اتفق وحصل ويأكل ما حضر.
وكانت بذاذة الإيمان (^٢) عليه ظاهرة. لا يُرَى مُتَصَنِّعًا في عمامة ولا لباس ولا مِشية ولا قيام ولا جلوس، ولا يتهيّأ لأحدٍ يلقاه، ولا لمَنْ يَرِدُ عليه من بلد.
ومن العجب أنّي كنتُ قد رأيتُه قبل لُقِيِّه بمدّةٍ فيما يرى النائم، ونحن جلوس نأكلُ طعامًا على صفة مُعيّنة. فحالَ لقائي له ودخولي عليه وجدتُه يأكلُ مثل ذلك الطعام على نحوٍ من الصفة التي رأيت. فأجلسني، وأكلنا جميعًا كما رأيت في المنام.
وأخبرني غير واحد أنه ما رآه ولا سمع أنه طلب طعامًا قطُّ ولا غداء ولا عشاء، ولو بقي مهما بقي؛ لشدّة اشتغاله بما هو فيه من العلم والعمل، بل كان يؤتى بالطعام، وربما يُترك عنده زمانًا حتى يلتفت إليه، وإذا أكل
_________
(^١) في (ل، ك) زيادة: «من عالم وعابد».
(^٢) البذاذة: رثاثة الهيئة. والمراد: ترك الترفُّه والتنطع في اللباس والتواضع فيه. انظر «فتح الباري»: (١٠/ ٣٦٨).
1 / 771