الفصل الرابع
في ذكر تعبّده
أمّا تعبّده ــ ﵁ ــ فإنه قلّ أن سُمِع بمثله؛ لأنّه كان قد قطع جُلّ وقته وزمانه فيه، حتى إنه لم يجعل لنفسه شاغلة تشغله عن الله تعالى ما يُراد (^١) له من أهل ولا من مال.
وكان في ليله متفرِّدًا عن الناس كلهم، خاليًا بربه ﷿، ضارعًا، مواظبًا على تلاوة القرآن العظيم، مكرّرًا لأنواع التعبدات الليلية والنهارية.
وكان إذا ذهب الليل وحضر مع الناس بدأ بصلاة الفجر، يأتي بسنّتها قبل إتيانه إليهم، وكان إذا أحرم بالصلاة يكاد يخلع القلوبَ لهيبة إتيانه بتكبيرة الإحرام، فإذا دخل في الصلاة ترتعد أعضاؤه حتى يميد يمنةً ويسرة، وكان إذا قرأ يمدّ قراءته مدًّا كما صحَّ في قراءة رسول الله ﷺ، وكان ركوعه وسجوده وانتصابه عنهما من أكمل ما ورد في صلاة الفرض، وكان يُخفُّ جلوسه للتشهد الأول خفَّة شديدة، ويجهر بالتسليمة الأولى حتى يسمع كلُّ من حضر، فإذا فرغ من الصلاة أثنى على الله ﷿ هو ومن حضر بما ورد من قوله: «اللهم أنت السلام ومنك السلام ...» (^٢) الحديث، ثم يُقبل على الجماعة، ثم يأتي بالتهليلات الواردات حينئذ، ثم يسبح الله ويحمده ويكبّره ثلاثًا وثلاثين، ويختم المائة بالتهليل، كما ورد، وكذا
_________
(^١) كذا العبارة في النسخ.
(^٢) أخرجه مسلم (٥٩١) من حديث ثوبان ﵁.
1 / 758