كلامه في قوله بربكم الباء الذي قبل الراء وذلك أنهم نظروا فقالوا لم نقل ربنا ألست بخالقكم ولا رازقكم ولا مولكم ولا إلهكم فإن له أسماء كثيرة ما تعني ربنا في استقرارنا بهذا الاسم وهو الربّ فتبين لهم أنهم إذا أجابوه بالباء دخل فيه أشرف الأسماء وأولها وهو الألف مع ما وافقوا في جوابهم له بباريهم الذي ابتدأوا جوابهم من قول الربّ بربكم وقولهم بلى فجعلوا مفتتح الجواب بمفتتح الاسم الذي استقر ربهم واستفهمهم به ليتفق الباطن من الكلام من قوله بربكم بلى فوافقوا في الجواب بابتداء الباء ببائه وهو باء البر لا باء الإضافة ووافقوا في المعنى الذي أراد أن يقروا له من جميع أسمائه بألف الإله على ما أشار إليه ومثّل لهم بديًا فالباء هاهنا قالب الألف وهو المعنى ما في القلب لا في القالب فقوله باء إنما هو ألف فالمعنى ما في القالب والمشار إليه والقالب الاستعمال ألا ترى إلى حروف أبجد إنما ابتدأوا أول حروفه بالألف ثم الباء فقالوا أب نجد الألف منه معنى اسمه الله والباء معنى قولهم بلى وإلى حروفها الثمانية والعشرين ألف باء تاء ثاء وإنما جمعوا بين الألف والباء هاهنا وجعلوا مفتتحه بالألف وتاليه الباء لأنهم لم يكتفوا بالألف المندمج للعامة عند الاستعمال فقبلوه وجعلوا مفتتح كلامهم ألفًا مندمجًا وجعلوا تاليه الباء كما هو في الأصل لأنهم علموا أن المبتغى الألف والباء للاستعمال فأبرزوا ما كان مندمجًا وجعلوه مفتتح الكلام وجعلوا التالي الباء فقالوا أب وقالوا ألف وباء ولو تركوه على ما كان سبيله أن يقال هنا بباء باء البر وباء بلى والألف مندمج فيما بينهما ولكنهم علموا أنهم إذ قالوا ألف دخل فيه كل اسم ثم إذا قالوا باء كان قد دخل الباء مرة من الألف ومرة الآن فهذان باءان ومبتدأهما الألف فترجموا إحدى الباءين وهو الذي من الألف مندمج فيه وتركوا الباء الآخر المبرز على حاله تاليًا للألف علامة ورسمًا على القلوب ليوم الميثاق وجوابهم ربهم ببلى، فاسم آدم ﵇ ما لي أراه ألفًا والدال تاليه وليس تالي اسمه الباء وهو أبُ البشر، قال: له اسمان، أحدهما اسم الخلقة، والآخر اسم الفعل، أما اسم الفعل فإنه أبُ البشر ففيه ألف والباء تاليه، وأما اسم الخلقة، فهو آدم الألف مبدأه والدال تاليه لأنه لم يوجد عليه الميثاق يوم الميثاق ولم يستفهم وإنما عفي عنه لأنه كان مصوّر يده قد شاهد القربة ونال نور الجلال وأبدل مكان الميثاق عرض الأمانة فجعل مبتدأ اسمه الألف علامة لمعنى اسمه الله، والدال علامة الخلقة، أنه خلق من أديم الأرض ونما خلق من الأرض لأن الله كان عالمًا به أنه إن خلقه من نوره وبهائه اغتر وتجبر باتفاق النور "ومال إلى الزهو" والعوز والقربة وغلبا عليه فأهلكاه. ألا ترى إلى إبليس كيف تجبر واستكبر بأصل خلقته وهو نار العزّ على آدم في سجوده حتى كفر، وكيف مارى آدم في الخلقة فقال: (خلقتني من نار وخلقته من طين) فعطف الله علينا بني آدم إذ خلق أبانا آدم من التراب وعصمنا من دواهي أنفسنا وخلصنا من المهالك برأفته وليست تجري أسماء ذريته على هذا السبيل إنما ذلك سبيل آخر وسبيل مجرى الأسماء أسماء الخلق ومدارها على نحو آخر وهو ما يخرج من أفعالهم وأخلاقهم وطبائعهم وتصرفهم من حال إلى حال وأما الموضع الذي يجعل تالي الألف واللام فهو سبيل مجرى الكلام وهو على نحو ما ذكرنا بديًا أن الألف اسم من أسمائه وأول الأسماء وأشرفها وهو الدال على صانع الخلق وخالقهم فالألف ألف المعرفة واللام علم المعرفة ولا تكون المعرفة دالة مع علمها إلا فيما وصفنا بديًا في يوم الميثاق فإن الله أخرج الألف يومئذ بغير علمها وهو قوله: (ألست بربكم) وكان سبيله مع العلم أن يقول أل الألف مع اللام ليكون بروزه مع العلم ثم يقول لست بربكم فإن اللام التي في قوله لست ليست بلام علم المعرفة وإنما هي لام لست نكرة لأن لام لست ليست زائدة كألف كلام الله فالألف مع اللام معرفة مع العلم كقولك الدار والرجل فالألف اسم يدلك ما فيه على المسمى واللام علمها وهو المصدق لها، والنكرة أن تقول رَجُلٌ ودار ليس فيها معرفة ولا علم وهو اسم مصمت وإنما أخرج الله يومئذ الألف وحده من غير علم لأنه أحب أن يعرفوه ربا ويقروا به غيبًا من غير علامة يرون أو إشارة يبصرون سوى الذي في الألف فإن في حشوه
1 / 16