قالت: لعله أدرك سر الحيلة؟
قال: كلا! فلو أدركها لما قبل المال بوجه من الوجوه.
ثم أخبرها بكل ما اتفقا عليه مع كاستيليون. وبعد ساعة عاد إلى فيلكس فوجد كاستيليون هناك. وسافر الثلاثة في قطار المساء إلى أوكسر.
الفصل السادس عشر
كان الفصل فصل ربيع، وكان رجل يسير ماشيا، وقد اغبرت ملابسه دلالة على سفره الطويل.
وكانت الأرض قد فرشتها الطبيعة ببساطها الأخضر، واستترت عناقيد العنب بين أوراق الكروم، وخيمت عليها أشجار الغابات، غير أن المسافر لم يكن يحفل بهذه المناظر البهيجة، وكان يسير توا إلى طاحونة لا تزال تبعد عنه نحو مائة متر، حتى إذا وصل إليها استقبله كلب بالنباح، وخرج صاحب الطاحونة ليرد كلبه عن المسافر، فحياه المسافر وسأله قائلا: ألا يزال قصر دي بربتاندير بعيدا أيها الرفيق؟
قال: أتعني به قصر البارون دي نيفيل؟ قال: هو بعينه.
أجاب: إنه يبعد من هنا نصف مرحلة فقط، فهل تريد مقابلة البارون نفسه؟
قال: نعم. - أظن أنك لا تجده في هذه الساعة. - لماذا؟ لعله سافر إلى باريس! - كلا، ولكنه خرج للصيد في هذا الصباح. - ولكنه سيعود في المساء؟! - هذا لا ريب فيه، ورجائي إليك أن تقبل ضيافتي، فنحن الآن في وقت الغداء، وإذا تفضلت بمناولة الطعام معي كنت ضيف البارون لا ضيفي، فإن هذه الطاحونة له. فلم يتردد الرجل في القبول، وعادا إلى المباحثة وهما على المائدة، فسأله صاحب الطاحونة قائلا: من أين أنت قادم؟
أجاب: من أوكسر. - أأتيت ماشيا والمسافة تزيد على تسع مراحل؟! - لم أجد جوادا، ولو خيرت لاخترت. - قل لي: لعلك تعرف البارون؟ - نعم، فقد كنت فيما مضى من أصدقائه. - يظهر أنك لم تره من عهد بعيد؟ - منذ سبعة أعوام. - أأنت قادم من باريس؟ - بل من مكان أبعد جدا، فإني قادم من أمريكا. - ما هذا السفر الشاسع؟! فإن المسافة فيه تعد بالأشهر. - هذا إذا سلمت السفن. - أغرقت السفينة التي كنت فيها؟ - وغرقت معها أموالي بجملتها، وا أسفاه! - إذن أنت آت إلى البارون لتلتمس مساعدته؟ - الأمر ما تقول، فقد خدمته خدمة جليلة فيما مضى، وأرجو أن يذكر لي هذا الجميل.
Unknown page