فقالت لرفاقها: أتريدون أن ننتهز فرصة قدوم هذا القارب إلينا، فنسير فيه إلى هذه القرية؟ فقال البرنس: أتريدين أن ننتظر فيها وفاة صاحب المنزل الذي أعجبت به.
أجابت: كلا، ولكن هذه البراري أعجبتني، وأظن أن فيلكس يرغب في تمضية بعض الوقت هنا، ولست أعلم لماذا؟ فقال لها فيلكس: ألا تعلمين السبب؟
أجابت: كلا. - إنه واعدني على اللقاء هنا. - من ذا الذي واعدك؟ - صاحب الكلب الأسود. فجمد الدم في عروق باكيتا من الرعب وحسبت أن الجنون قد عاد إليه، غير أن فيلكس قال لها بملء السكينة: لا تجزعي فإنكم لا ترونه، أما أنا فإني أراه ماثلا أمامي.
قالت: من هو ؟ - صاحب الكلب الأسود. وقد دل بأصبعه على صاحب الكلب الذي كان يراه حقيقة، ولكنه لم يكن يراه هذه المرة كما تعود أن يراه من قبل، إذ تمثل له واقفا على سطح ذلك المنزل الجميل الذي رأته باكيتا، وقد تعاظم فبلغ أربعة أضعاف حجمه العادي، حتى بان كأنه تمثال «غليوم تل» المشرف على مصب الرين، وكذلك كلبه فقد كان نائما عند قدميه، وقد كبر حجمه على نسبة كبر حجم سيده، وبسط يده إلى فيلكس، كأنه يقول له: احضر لأخدمك الخدمة التي وعدتك بها. •••
وانقضى فصل الصيف، وعاد السياح إلى بلادهم، وتراكمت الثلوج على القمم، واربد وجه السماء بعد ذلك الصفاء، فلم تعد تسمع بعد حفيف الأشجار غير هزيم الرعود وبكاء الأمطار، وقد خلت الفنادق من الزائرين وأقفلت أبوابها، وأخذ الجبليون يتأهبون للقاء عدوهم الهائل وهو الشتاء.
ومع ذلك فقد بقي في قرية «فنتري» بعض الغرباء وهم البرنس ورفاقه.
وكانت باكيتا قد نزلت من الباخرة إلى القارب مع رفاقها، فأوصلهم إلى البر، وذهبوا إلى تلك القرية التي شاق منظرها باكيتا، فاستأجروا منزلا فيها، وهم لا يزالون هناك منذ ثلاثة أشهر، فكانوا يقيمون بجوار ذلك المنزل الجميل الذي لم يكن يخرج صاحبه المريض منه، فيعلمون من هو. وقد جاء زمن البرد القارص، ومع ذلك فلم يظهر فيلكس رغبته في العودة إلى باريس، وأشار البرنس وباكيتا مرتين بالعودة، فكان يجيبهما أنه يريد البقاء هنا، فلم يلحا عليه؛ لأنهما كانا يريانه يثوب إلى العافية، ولم يعد يذكر الكلب الأسود ولا صاحبه، فلم يجدا بدا من الامتثال لرغبته. إلى أن اتفق ليلة أن شارنسون عاد إلى ذكر العودة إلى باريس، فقد كان ذلك اليوم مظلما، لم يبصروا فيه نور الشمس، وكانت السماء غائمة منذ الصباح، ولكن فيلكس امتنع عن الموافقة، فقال له شارنسون: ما هذا الجنون؟! فقد أصبحنا أسرى في هذا المنزل. - ذلك سيان عندي. - ولكن لماذا هذا العناد؟ - لأن عدوي أصبح صديقي، وهو لا يريد أن أسافر. فصاحوا جميعهم قائلين: ماذا تقول؟ وأي عدو تعني ؟ - صاحب الكلب الأسود. فأطرقت امرأته برأسها حزينة، إذ أيقنت أنه لا يزال عنده شيء من الجنون.
فأدرك فيلكس ما جال في خاطرها، وقال لها وهو يبتسم: كلا لست مجنونا، ولكني أعتقد بصاحب الكلب الأسود؛ لأني أراه في كل يوم. وانظروا إلى هذه النافذة فإننا نرى منها المنزل المقيم فيه ذلك الرجل الفرنسي الذي لا يعرف أحد اسمه، ففي كل مرة أنوي السفر كنت أرى من هذه النافذة صاحب الكلب واقفا على سطح المنزل يشير إلي بالبقاء، فأبقى.
قالوا: ولكنك تعلم يقينا أنه رسول الشر.
أجاب: إن شره لا يصيبني أنا الآن، بل يصيب صاحب هذا المنزل.
Unknown page