99

Abu Nuwas

أبو نواس: الحسن بن هانئ

Genres

وعلى هذا الرفرف المضطرب بين الضعة والوجاهة كان أبو نواس.

لا حرمة له بين الحرمات، فما له يغار عليها من الإباحة والابتذال؟!

ولا نعرف اسما أصدق من اسم الهوس يطابق ذلك الولع بعرض الإباحة، والتحدي بها، كما اشتهر بها أبو نواس غير مزاحم في هذه الشهرة بين أبناء عصره.

فلا يكفي لإغراء المرء بهذا الولع أن يكون صاحب مذهب في الزندقة، فقد يعتقد الزنديق استحلال المحرمات فيبيحها لنفسه، ويقارفها سرا أو لا يعنت نفسه بالتستر والتجمل، ثم لا يزيد على ذلك.

ولا يكفي لإغرائه بذلك الولع أنه يتحدى ذوي الوقار؛ لأنهم يحتقرونه ويترفعون عليه بسمتهم وكبريائهم، فإن المرء إذا تسامى إلى الرفعة ونبذه أهلها قد يضطر المغيظ المحنق إلى هتك الستار عن ريائهم، والاستخفاف بصيانتهم وهو يود لو لم تلجئه الضرورة إلى هذا المأزق المكروه، وفرق بعيد بين هذا التحدي المستنكر وبين ارتياح المرء إلى عرض الإباحة كأن العرض غرض مقصود لذاته، وكأنه لذة أمتع من اللذات التي يستبيحها.

وقد كان أبو نواس يتقي من حسن السمعة ما يتقيه الإنسان السوي من مذمتها، وقد أشرنا إلى طرف من كلامه في ذلك عند الكلام على النرجسية، ونشير هنا إلى نادرة هي جماع النوادر في هوى العرض وشهرة السوء. رواها ابن منظور في أخباره فقال: إن إخوانا له أشاعوا أنه تاب ونزع عما كان عليه من الفسوق والخمر، فأقبل الناس يهنئونه، فجعل يكذب ذلك ويقول: والله أنا شر مما كنت، فلما كثر ذلك عليه دعا بخمار يهودي غلام، وأجلسه في جانبه ومعه خمر، فكلما جاء من يهنئه يقول لليهودي قبل أن يتكلم: صب لي من خمرك، فيشرب قدحا ثم يقبل اليهودي، ويقول للذي جاء يهنئه: قد رأيت صحة التوبة! ثم قال في ذلك:

قالوا: نزعت ولما يعلموا وطري

في كل أغيد ساجي الطرف مياس

كيف النزوع وقلبي قد تقسمه

لحظ العيون ولون الراح في الكاس

Unknown page