ولا يزال بعد كل هذا مدد آخر من أمداد الشهرة النواسية غير الشخصية النموذجية، وغير شهادة العلماء والرواة والثقات.
ذلك المدد الآخر هو الفاكهة المحرمة، أو الفاكهة المحببة، على العهد بين كثير من الناس أن يحبوا كل ممنوع، ويلهجوا بكل محظور.
فقد كانت الفاكهة المحرمة بضاعة أبي نواس ، سواء حرمتها شريعة الأخلاق أو حرمتها شريعة الأديان، وكانت الزندقة والشذوذ بعض ما يبيع في سوق الفسوق. وشأن الفاكهة المحرمة أن يسأل عنها سرا من لا يسأل عنها علانية، وأن يقاربها من يألفها، ويتجسس عليها من يجهلها وينكرها، وأنها من بضائع السوق السوداء كما نقول في العصر الأخير، فهي من بضائع المساومة والمغالاة.
وفي عصرنا هذا نظير لأبي نواس في الآداب الغربية سيأتي الكلام على المشابهة بينه وبين أبي نواس في بعض الفصول التالية؛ لأنها مشابهة بمقاييس الأدب والخلق والمزاج والدراسات النفسية، وأهم من ذلك فيما نحن بصدده أنها متشابهة في أسباب الشهرة بالفاكهة المحرمة، وما يصح أن يسمى بالزندقة الاجتماعية.
فالشاعر الأيرلندي الحديث «أوسكار وايلد» أشبه «الشخصيات النموذجية» في الأدب الغربي بأبي نواس، ومهما يكن من قيمة أوسكار وايلد الفنية، فشهرته أكبر من قيمته بكثير، ولم يعرف في القرن التاسع عشر أديب استهجنت سيرته كما استهجنت سيرة «أوسكار وايلد»، ولا أديب شاعت كتبه من أجل ذلك كما شاعت كتب هذا الأديب المحروم المجدود، وقد ترجم إلى كل لغة أوروبية، وكتب عنه النقاد في كل بلد، وتضاعفت الكتابة عنه بعد شيوع التحليل النفسي والمباحث العلمية في مسائل الجنس والأخلاق، وإنما أصابه هذا النصيب في سوق الفاكهة المحرمة اتجر فيها من قبل أبو نواس.
وكل سبب من أسباب هذه الشهرة هو في الواقع غطاء على حقيقة أبي نواس فوق غطاء، فهي تخفيه ولا تبديه، ومن عمل الدراسة النفسية والدراسة التاريخية أن تبرزا تلك الحقيقة من وراء تلك الأغطية، وهذا ما سنبدؤه في الفصل التالي بالكلام على سريرته النفسية: وهي السريرة النرجسية.
أبو نواس الإباحي
النرجسية
كان أبو نواس إذن «شخصية نموذجية».
ولكنها ليست هي الشخصية التي شاع بها ذكره بين الأميين وأشباه الأميين، وبين طائفة من خاصة المطلعين على الأدب الفصيح، وهي الشخصية التي تقوم على الحيلة والجواب السريع والقدرة على الخلاص القريب من المآزق والمحرجات.
Unknown page