106

Abu Nuwas

أبو نواس: الحسن بن هانئ

Genres

ولاحت على طلعته كبرياء، وقال:

لا تصدق يا صاح أنه مثالي ذاك الذي رأيت فيما يمثلون.

فإن الريشة التي ترسمني تجري بها يد عدو حسود.

سلبتهم السماء، فسلبوني الجمال.

وهذه صورة للشيطان لا نستغربها من مصورها، فقد كانت للسعدي طبيعة يمتزج فيها التصوف بالحكمة العملية، وقد طاف الرجل أقطار المشرق وجاس خلال فارس والعراق والهند، وعاش بين الوشايات وقصور الأمراء والوزراء، ورأى أناسا بعد أن سمع عنهم وسمع عن أناس بعد أن رآهم، فخرج من سياحاته وتجاربه، وهو يعلم ما وراء الثناء وما وراء المذمة، وشعاره في الحياة «ألا تصدق كل ما يقال»، ولا شك في أنه لم يصور الشيطان على تلك الصورة التي تخيلها أو حلم بها إلا بعد أن رأى الشياطين من الإنس في أجمل صورة، وقاس الأمر بعقله فخطر له أن الشيطان خادع محتال، وأنه يخدع الناس ويستهويهم بوجه يقابلونه بالنفور والإعراض.

وتزاد بعد هذه الشخصيات الشيطانية المتباعدة، أو المتقاربة شخصية أخرى يعدونها مثالا للشيطان الذي يخلقه الشاعر على صورته، وذلك هو شيطان الشاعر الروسي لرمنتوف

Lermentov ، الذي عاش في أوائل القرن التاسع عشر، وسمع من بعيد بمقلقات الفكر في غرب القارة الأوروبية.

فهذا الشيطان الذي صوره لرمنتوف هو لرمنتوف بعينه مزيدا عليه ما يتمناه ولا يناله لأنه إنسان، فإن الشيطان يتشكل بما شاء من الأشكال ويظهر للعيان أو يتوارى كما يشاء، وقد يتوارى عن قوم ويبدو لغيرهم وهم في مجلس واحد.

وهذا الشيطان مسكين معرض للغواية باختياره، فهو يحب فتاة من الإنس ويتراءى لها متجملا في أبهج حلله، فتهواه وتكاد أن تجفو خطيبها من أجله، ثم يغار الشيطان من ذلك الخطيب فيقتله، وينقل جثته إلى الفتاة لتوقن من وفاته وتنساه، فتنقلب الآية وتحزن عليه حزنا يحجب عن عينيها محاسن الحياة، فتأوي إلى الدير وتنذر الرهبانية مدى الحياة. ويجن جنون الشيطان فيلاحقها ويتصدى له الملك الحارس عند باب الدير وتصطرع قوة الشر وقوة الخير، فينهزم الملك وينتصر الشيطان، وينفذ إلى حجرة الفتاة فيملك الجسد وتصعد الروح إلى السماء.

ولم يتصرف لرمنتوف كثيرا في نقل هذه الصورة من ذات نفسه، ولم يبتعد بالحادثة كلها عن المكان الذي أقام فيه وهو يكتب القصة، فقد أجراها في بلاد القوقاز حيث كان يقيم منفيا مغضوبا عليه.

Unknown page