155

Abū Hurayra rāwiya al-Islām

أبو هريرة راوية الإسلام

Publisher

مكتبة وهبة

Edition Number

الثالثة، 1402 هـ - 1982

أي إفراط كان من أبي هريرة؟ وهو الحافظ الذي عرفناه، والمفتي الذي احتاجت إليه الأمة، بعد وفاة رؤوس الصحابة، وبقي أبو هريرة مع من بقي في المدينة مرجعا للمسلمين في دينهم وشريعتهم. بعد أن انطلق الصحابة في الأقطار الإسلامية يعلمون أهلها ويفقهونهم. وسنتعرض للرد التفصيلي على دعواه هذه فيما بعد، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن أبا هريرة لم يكن مفرطا، بل كان كغيره، من علماء الصحابة، يستفتى فيفتي، ويسأل فيجيب، فلم يكن مفرطا في عهد الخلفاء الراشدين ولا بعدهم، إنما وثق به القوم، وعرفوا مكانته، فوضعوه حيث يستحق، فكم من راحل يقطع المسافات ليرى أبا هريرة. وكم من مقيم يترك كبار الصحابة ويأتيه في مسألة أو حديث عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام -. فأبو هريرة لم يكثر من عنده، إنما وثق الناس بحفظه فحرصوا على أن ينهلوا منه، فما جريرته في ذلك، وقد شهد بعلمه وحفظه ابن عمر وطلحة بن عبيد الله والزبير وغيرهم، حتى إنه قال - عندما استكثروا حديثه - «ما ذنبي إذا حفظت ونسوا؟».

وأما أن الصحاح وسائر مسانيد الجمهور قد أفرطت فيما روته عنه، فهذا ظلم وجور، لا نوافقه عليه، ولا يقبله منه إنسان منصف، ولا يقره عليه عقل راجح، وأنه حكم بلا دليل ولا حجة، فإن الصحاح لم تضم بين دفاتها أي حديث إلا بعد بحث وتنقيب وتمحيص، ومقارنة وتحقيق، يتناول حياة الراوي وسلوكه وحفظه، ولا يؤخذ عن إنسان إلا بعد التحقق من عدالته، ولم يكتف - رضي الله عنهم - بهذا، بل كان العقل محله ودوره واعتباره في التحمل، والأداء وحين الحكم على الرواة، وعلى الأحاديث. فكان النقد يتناول الرجال والمتن، ولم يكن النقد خارجيا فقط، بل كانوا يعرضون الرواية على القرآن والسنة، حتى يتأكدوا من صحة الخبر، وكان منهم من يجمع الأخبار المتعارضة فيسلك طريق الدراسة والموازنة والتوفيق والترجيح حتى يتبين له وجه الحق والصواب، فلم تكتب الصحاح إلا على أسس علمية دقيقة، تتناول السند والمتن على السواء.

Page 161