94

Abu Hanifa Wa QIyam Insaniyya

أبو حنيفة والقيم الإنسانية في مذهبه

Genres

وتكلم أيضا عن مخالفة الإمام مالك في الولد والوالد، إذ يجيز شهادة كل واحد منهما لصاحبه، وذلك «لأن دليل رجحان الصدق في خبره، انزجاره عما يعتقد حرمته، ولا فرق في هذا بين الأجانب والأقارب؛ ولهذا قبلت شهادة الأخ لأخيه، فكذلك شهادة الوالد لولده، ولا معتبر بالميل إليه طبعا بعدما قام دليل الزجر شرعا.»

9

والسرخسي لا يرضى بحق قياس أمر الأب والابن على أمر الأخ وأخيه؛ لأن بين الأولين «بعضية» قد تكون سببا كافيا للتهمة، ولأن المنافع بين الأب والابن متصلة مشتركة؛ ولذلك قال الله تعالى:

آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا

بخلاف الإخوة وسائر القرابات.

وإذا كان مالك يخالف أبا حنيفة في شهادة الأب لابنه أو العكس، فإن الإمام الشافعي يخالف في شهادة أحد الزوجين للآخر، فيقول: «تقبل شهادة كل واحد منهما لصاحبه؛ لأنه ليس بينهما بعضية، والزوجية قد تكون سببا للتنافر والعداوة، وقد تكون سببا للإيثار، فهي نظير الأخوة أو دون الأخوة، فإنها تحتمل القطع، والأخوة لا تحتمل.»

والسرخسي لا يرضى بحق أيضا هذا الاستدلال، بشهادة العرف والعادة والمشاهدة؛ ولهذا يرد عليه ببيان أن صلة الزوجية تعتبر حقا تهمة في شهادة كل واحد من الزوجين لصاحبه ... وذلك لأن «الظاهر ميل كل واحد منهما لصاحبه وإيثاره على غيره، كما في الآباء والأولاد، بل أظهر، فإن الإنسان قد يعادي والديه لترضى زوجته، وقد تأخذ المرأة من مال أبيها فتدفعه إلى زوجها، والدليل عليه أن كل واحد منهما يعد منفعة صاحبه منفعته، ويعد الزوج غنيا بمال الزوجة؛ ولهذا قيل في تأويل قوله تعالى (في شأن الرسول

صلى الله عليه وسلم ):

ووجدك عائلا فأغنى ؛ أي غني بمال خديجة رضي الله عنها.»

في المرافعات والقضاء

Unknown page