Abu Hanifa Wa QIyam Insaniyya
أبو حنيفة والقيم الإنسانية في مذهبه
Genres
فمن هذه الكتب التي تعتبر عمد المذهب، نرى الإمام لم يلتزم دائما رأي إبراهيم النخعي؛ بل كانت له آراء سرت إليه من غيره من الفقهاء السابقين، كما كانت له آراء مستقلة ذهب إليها، بناء على الأصول التي كان يرجع إليها والتي سنتحدث عنها بعد قليل.
ومن الأدلة على استقلاله بالرأي عن حماد وشيخه إبراهيم النخعي، هذه المثل التي نكتفي بذكرها، وكلها مأخوذة من كتاب الآثار لمحمد بن الحسن الذي أشار إليه الدهلوي نفسه:
7 (أ)
يرى النخعي أن من قال لامرأته: «أنت علي حرام .» ونوى بذلك الطلاق، كانت طلقة واحدة رجعية، على حين يرى أبو حنيفة: أن الأمر يكون على ما نوى واحدة أو اثنتين أو ثلاثا، وإن نوى الكذب فليس بشيء. (ب)
وإذا قال الزوج لزوجته: «أمرك بيدك.» فاختارت زوجها، كان ذلك طلقة واحدة، على حين يرى أبو حنيفة أن الأمر يكون على ما نواه الزوج؛ فإن نوى واحدة أو اثنتين فهي واحدة بائن، وإن نوى ثلاثا فهي ثلاث. (ج)
ويرى النخعي أن من أقرض آخر شيئا من الورق ثم قضى المدين دينه بأفضل منه كان ذلك مكروها؛ لأن الورق بالورق فيه شبهة الربا. ويرى أبو حنيفة أنه لا بأس في هذا ما لم يكن شرطا اشترطه عليه، فإذا كان شرطا اشترطه فلا خير فيه. (د)
وإذا سرق رجل وقطعت يده جزاء ما اقترف، هل يضمن المال الذي سرقه؟ يرى النخعي أنه يضمن. ويرى أبو حنيفة أنه لا يضمن؛ إلا أن يوجد المسروق بعينه فيرد حينئذ لصاحبه.
ومع ذلك، نحن نؤمن بالتطور وبعامل الزمن في إنضاج الآراء والنظريات والمذاهب، وهذا ما نجده في الفقه وفي غيره من ضروب المعارف والعلوم؛ وإلا كان أمرا يتعذر تفسيره أن نرى الإمام مالك بن أنس مثلا يكتب موطأه المعروف.
لقد وقف الإمام أبو حنيفة على ما استطاع أن يقف عليه من سنة الرسول
صلى الله عليه وسلم ، وأقوال الصحابة ومن تلاهم من التابعين، وعني بالنظر في تعليل الأحكام التشريعية كما وردت في الكتاب والسنة، فكان له بعد ذلك أن ينظم هذه المادة الفقهية الضخمة، وأن يجعل من «الرأي» الذي عرف من قبل «القياس» الذي استخدمه وأجاد استخدامه في استنباط الأحكام بقياس المجهول حكمه على ما نص على حكمه.
Unknown page