Abu Hanifa Wa QIyam Insaniyya
أبو حنيفة والقيم الإنسانية في مذهبه
Genres
فأضمر ابن أبي ليلى في نفسه أنه وجد فرصة في أبي حنيفة؛ يقول للمغنيات: أحسنتن! فبعث إليه في شهادة عنده، فأتاه وأقام الشهادة على ما ينبغي، فما كان من ابن أبي ليلى إلا أن قال له: شهادتك ساقطة، فقال أبو حنيفة: لم؟ قال: لقولك للمغنيات أحسنتن؛ لأن هذا رضا منك بمعاصي الله تعالى. فقال أبو حنيفة: متى قلت لهن: أحسنتن، حين غنين أو سكتن؟ فقال لا، بل حين سكتن. فقال: الله أكبر، إنما أردت بقولي: أحسنتن، في السكوت، لا في الغناء! فسكت ابن أبي ليلى وأثبت شهادته. ثم قرأ أبو حنيفة هذه الآية:
ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله .
قال: فكان ابن أبي ليلى يحذر أبا حنيفة بعد ذلك حذرا شديدا، وكان إذا وقعت له مسائل غلاظ شداد دس بها إلى أبي حنيفة، فكان يفطن لها ويقول:
وإذا تكون عظيمة أدعى لها
وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
هكذا كان أبو حنيفة في حياته وسيرته: ذكيا ألمعيا، وفقيها فطنا، ورعا عظيم الخشية لله تعالى، صلبا في الحق وعلى خلق عظيم ... ولا عجب في شيء مما نقوله؛ فهذا الفضيل بن عياض يقول عنه، كما يروي المكي في مناقبه:
34 «كان أبو حنيفة رجلا فقيها معروفا بالفقه، مشهورا بالورع، واسع المال، معروفا بالإفضال على كل من يطيف به، صبورا على تعليم العلم بالليل والنهار، حسن الليل، كثير الصمت قليل الكلام، حتى ترد مسألة في حرام أو حلال، فكان يحسن أن يدل على الحق، هاربا من مال السلطان.»
وهذه الخلال التي اجتمعت له، كانت حرية حقا أن تجعل منه عالما فذا، ومفكرا سليم التفكير، وطالبا للحق لا يعدوه إلى غيره، وهكذا كان رضوان الله عليه. وقد بلغ من إخلاصه للعلم، ومن طلبه للحق فيما ينظر فيه، أنه لم يكن بالرجل الذي يفتن برأيه فلا يرى الحق إلا فيه، فيعمل على أن يفرضه على غيره فرضا. وقد عبر هو نفسه عن هذا المعنى، بهذه القولة المأثورة عنه، وهي: «قولنا هذا رأي، وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاء بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منا.»
علينا بعد ذلك أن نتكلم عن طريقته وفقهه، لنعرف إن كان له مذهب خاص واضح للعالم، وماذا يقوم عليه هذا المذهب إن كان.
طريقة أبي حنيفة وفقهه
Unknown page