52

قال التلميذ: أستغفر الله يا مولاي، فالأمر والرأي لك، وإنما هو اقتراح أو رجاء، وأنت ما ترضاه من قبول أو إباء.

هؤلاء الصحفيون يسألون، وقد عرفت طريقتهم في السؤال، فإن أذنت لقيتهم جميعا مرة واحدة وأفضيت لهم بخبر ما هم مستخبرون، فلا نجاة منهم قبل أن نرحل من هذه الديار.

فاستسلم أبو العلاء، وأومأ قائلا: علي بهم مجتمعين! فما أتمها حتى كان واحد منهم على الباب، وكان يتلو خطابا قد استظهره وتصنع لإلقائه، وجاء منه بعد كلام طويل:

إننا نستقبل منك في بلاد الجرمان رجلا من أهل الشمال وإن كان مولده في الجنوب، وعقلا من عقول الآريين وإن كان منسوبا إلى الساميين، وشاهدا جديدا على صدق علم الأجناس الذي كشف لنا حقيقة النبوغ ودخيلة المزايا والأخلاق بين الشعوب. فلا فضل ولا عبقرية ولا ارتقاء في الآداب والفنون، ولا في العقائد والأخلاق إلا أن يكون مردها جميعا إلى أبناء الشمال، وإن خفيت مصادر النسب واختلفت مواقع الميلاد.

ولو لم تكن أيها الرجل العظيم من سلالة الآريين لما اتصل الروح بينك وبين الهند فرأيت ما رآه البوذيون وحرمت ما يحرمون، وأبحت ما يبيحون، فأنت الناهي عن أكل الحيوان وجناه حيث تقول:

تق الله حتى في جنى النحل شرته

فما جمعت إلا لأنفسها النحل

وأنت الناصح بإحراق الموتى وإن عجبت منه حيث تقول:

فاعجب لتحريق أهل الهند ميتهم

وذاك أروح من طول التباريح

Unknown page