فلا يعجبني هذا النفاق
فكم نفقت محنة ما كسد
وصالح هذا هو أسد الدولة أبو علي صالح بن مرداس الكلابي أول ملوك بني مرداس بحلب، كان من عرب البادية، وكانت له عشيرة وشوكة، فقصد مدينة حلب وانتزعها من مرتضى الدولة بن لؤلؤ، نائب الظاهر بن الحاكم الفاطمي خليفة مصر، وتملكها سنة 417. ثم جهز الظاهر الجيوش ووجهها إليه، وجرت مقتلة انجلت عن قتل صالح سنة 420، وقيل سنة 419.
وهو الذي عناه أبو العلاء بقوله في لزومياته:
أرى حلبا حازها صالح
وجال سنان على جلقا
وحسان في سلفي طيئ
يصرف من عزه أبلقا
وذكر السيوطي في بغية الوعاة في ترجمة نصر بن صدقة القابسي النحوي، أنه كان ممن يعاني الأدب، فقدم مصر وأخذ عن علمائها، ثم توجه إلى المعرة فلازم أبا العلاء، وأخذ عنه ديوانه سقط الزند، وكتب منه نسخة جيدة، ورجع إلى مصر، فقدمها للحاكم وقرأها عليه، فأعجبه نظمه، وأرسل إلى عزيز الدولة الوالي بحلب، أن يحمله إلى مصر، فاعتذر فكف عنه. هذا ما ذكره السيوطي. وفي مقدمة رسالة للمعري تسمى بالفلاحية: أن القابسي المذكور لما رجع إلى مصر بنسخته سقط الزند، أهداها للوزير أبي نصر صدقة بن يوسف الفلاحي، فأعجب بها، واستدعى كاتب الديوان، وأمره أن يكتب إلى عزيز الدولة متولي حلب وأعمالها في حمل أبي العلاء إلى مصر، ليبني له دار علم، وسمح بخراج معرة النعمان له في حياته وبعده، فوصلت الأوامر إلى ديوان الشام بكتب السجل، فكتب، وجهز على البريد. فلما وقف عليه عزيز الدولة نهض للوقت، حتى دخل معرة النعمان، وقرأ السجل على أبي العلاء، فقال: أمهلني حتى أكتب جواب السجل إلى مجلس الوزارة، فلعل العفو يسامحني بالمقام في بلدي؛ إذ لا يمكنني الخروج منه. فأمهله الأمير، فأحضر الكاتب للوقت، وأملى عليه هذه الرسالة يعتذر فيها عن عدم الرحيل بعجزه عنه. والوزير الفلاحي المذكور وزر للمستنصر سنة 436 وعزل سنة 439. ولم تسبق له وزارة مدة الحاكم بأمر الله، حتى يمكن الجمع بين الروايتين. وقد تقدم أن المستنصر بذل لأبي العلاء ما ببيت مال المعرة من الحلال، فلم يقبله. فلعل ذلك كان بسعي هذا الوزير، وفيه ما يرجح الرواية الثانية. إلا أن يكون مراد السيوطي مطلق حاكم بمصر، لا الحاكم بأمر الله على الخصوص. وكان هذا الوزير في أول أمره يهوديا، ثم أسلم. وفيه يقول الحسن بن خاقان الشاعر المصري:
حجاب وإعجاب وفرط تصلف
Unknown page